صبرى محمد خليل خيرى
المساهمات : 112 تاريخ التسجيل : 08/05/2011
| موضوع: مفهوم الثورة بين العلم والفلسفة والدين الأربعاء مايو 11, 2011 11:35 pm | |
| مفهوم الثورة بين العلم والفلسفة والدين د.صبري محمد خليل أستاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم sabri.khalil@hotmail.com تعريف الثورة : الثورة لغة الهيجان والوثوب والظهور والانتشار والقلب ، ورد في لسان العرب (ثار الشيء ثورا وثورا وثورانا وتثور هاج... وثار إليه ثورا وثؤرا وثورانا وثب... وثار الدخان وغيرهما يثور ثورا وثؤورا وثورانا ظهر وسطع ) ويقول الطبري ( ثار يثور وثورانا إذا انتشر في الأفق ) .ويقول تعالى (لا ذلول تثير الأرض)(البقرة:71) (اى لا تقلبها بالحرث القلب الذي يغيرها فيجعل عاليها سافلها)، و(كانوا اشد منهم قوه واثاروا الأرض وعمروها)(الروم:9) (اى قلبوها وبلغوا عمقها). أما المصطلح اللاتيني Revolution فهو تعبير فلكي الأصل شاع استعماله بعد أن أطلقه العالم البولندى كوبر تيكوس على الحركة الدائرة المنتظمة للنجوم حول الشمس والتي لا تخضع لسيطرة الإنسان، وبالتالي تضمن المصطلح معنى الحتمية ( جابر السكران، الثورة: تعريفها/ مفهومها/ نظرياتها، جريده الجريدة). أما الثورة اصطلاحا فقد تعددت تعريفاتها ، بقول ميرل الثورة هي حركة اجتماعية بها تحل بعنف أسطورة جديدة محل أسطورة قديمة ، ويقول دن الثورة هي تغيير جماهيري سريع وعنيف ، ويقول جورج سوبر بيتي الثورة هي إعادة بناء الدولة ، ويقول مود الثورة مجرد تغيير في بناء الحكومة ، ويقول شاتوبريان الثورة انقطاع في التاريخ،ويقول بيتي هنتنجتون و نيومان الثورة إبدال القيم...و بالجمع بين ما هو مشترك في هذه التعريفات يمكن تعريف الثورة بأنها التغيير خارج إطار نظام قانوني لا تتوافر فيه امكانيه التغيير، فهي تغيير فجائي وكلى يتم خارج إطار نظام قانوني لا تتوافر له الشرعية ، وهي بهذا تختلف عن الإصلاح الذي هو التغيير من خلال نظام قانوني تتوافر فيه امكانيه التغيير ، فهو تغيير تدريجي جزئي سلمى يتم من خلال نظام قانوني تتوافر له الشرعية. علم اجتماع: تعددت تعريفات علماء الاجتماع للثورة ولكنها تشترك في نقاط عامه منها :أن الثورة تغيير مفاجئ سريع، ذو اثر كبير على الكيان الاجتماعي. و يحطم استمرارية الأحوال الراهنة فيه، حيث يصف هربرت بلومر مثلا الثورة بأنها تبتغي إعادة بناء وتنظيم النظام الاجتماعي كله تنظيما وبناء جديدا. ويرى كارل مانهايم أن الثورة عمل قصدي ، فهي تعني توقع حدوث وقصد إحداث تحطم في الكيان و التنظيم الاجتماعي الراهن ، فهي ردود أفعال الأفراد على الأحوال غير المرضية في حياتهم الاجتماعية ، ولكن بعد أن تنتظم في عمليات السلوك الجمعي . كما اختلف علماء الاجتماع في تحديد الأسباب التي تؤدى إلى حدوث الثورات، حيث يرجح بعضهم الأسباب الغريزية (هربرت ميلر وسروكن) ، ويرجح بعضهم الأسباب الاقتصادية كالبطالة أو الصراع الطبقي (كارل ماركس) أو الاحتجاج على الضرائب( مريمان) ، ويرجج آخرون الأسباب العقائدية والفكرية–الايديولوجيه- والقيميه ممثله في طهور قيم وأفكار وعقائد جديدة، (دوركايم وبارك) ، كما يرجح بعضهم الأسباب الكارزميه ممثله في ظهور زعامة أو قيادة جديدة (توماس كارلايل وهيغل وسبنسر ) ، كما يرجح آخرون الأسباب الحضارية ممثله في الاحتكاك الحضاري بين الشعوب، ويرجح آخرون الاسياب الديموغرافيه(السكانية) ممثله في التغيرات التي تطرأ على السكان كالتناقص أو التزايد السريع في السكان (كارلي ) . كما يرى علماء الاجتماع أن هناك بعض الظواهر الاجتماعية التي تميز مرحله ما قبل الثورة منها انتشار الاضطراب الاجتماعي(ومن أشكاله ازدياد نسبه الإخلال بالنظام والتمرد عليه ، وارتفاع معدلات الجريمة...) ، وانتشار التشهير بنقائص النظام والتحريض على تغييره ، ويبدأ في هذه المرحلة أيضا تبلور إيديولوجي–فكرى- ثوري يوجه السلوك الجمعي نحو التغيير، و يذهب ادواردز إلى أنه لابد من بروز ظاهرتين في المرحلة التي تسبق الثورة وهما: انتقال وتحول ولاء المثقفين، وتكون الخرافة الاجتماعية (الحلم بتحقيق أوسع أهداف الثورة أو الذهاب بعيدا بها إلى حد التصور بتحقيق حياة مثالية). ويصاحب هذه المرحلة ضعف وانهيار قوة السلطة السياسية الحاكمة.. كما يرى علماء الاجتماع أن الثورة تمر بمراحل متعددة، أهمها مرحلتين: الأولى منها تلقائية تفتقر إلى التنظيم، وتكون فيها الأهداف ذات طابع عام مجرد. أما المرحلة الثانية فتتميز بالتنظيم الواضح و تبلور الأهداف و ظهور القيادات. و يتفق فريق كبير من علماء الاجتماع منهم بلومر، داوسون وهيوز، كشلو، بارك على أن القائد في الثورة في مراحلها الأولى هو من نوع المحرض. وفي المرحلة التي تكتسب فيها الثورة شرعيتها يكون القائد من نوع رجل دولة. وفي المرحلة اللاحقة التي تتبلور فيها الثورة يكون القائد من النوع الإداري. كما يصنف علماء الاجتماع الثورات إلى أنواع متعددة طبقا لمعايير متعددة، فهي تنقسم طبقا لمعيار التسلح إلى مسلحة وسلميه. وهى تنقسم طبقا لمعيار الحقل الذي تحدث فيه إلى: سياسيه أو حضارية أو صناعية، و تنقسم طبقا للمعيار المادي التاريخي (الماركسي)إلى ثورات إقطاعيه وبرجوازيه وبروليتاريه وتحرر وطني .. ( د. حاتم الكعبي ، في علم اجتماع الثورة، بغداد ،1959، عرض حميد الهاشمي، يوميه إيلاف الالكترونية) الفلسفة : وقد انقسم الفلاسفة إلى تيارين: الأول يرفض الثورة كوسيلة للتغيير ، ومن أعلام هذا التيار مونتسكيو الذي كان يرى أن الطغيان هو النظام الطبيعي في الثورات . و سوروكين الذي كان يصفها بأنها شذوذ وانحراف . و فليب جوستاف لوبون الذي كان يراها جهداً ضائعاً ، لأن المجتمع يمكنه أن يصل إلي ما وصل إليه بالثورة بدون التضحيات و الخسائر التي تطلبتها الثورة .أما التيار الثاني فيأخذ بالثورة كوسيلة للتغيير ومن أعلام هذا التيار كارل ماركس الذي يرى طبقا لمنهجه المادي الجدلي ومحصله تطبيقه في التاريخ (المادية التاريخية ) أن الثورة هي محاوله لإلغاء التناقض في أسلوب الإنتاج بين علاقات الإنتاج وأدوات الإنتاج، والذي يعبر عن ذاته في شكل صراع طبقي بين الطبقة السائدة والطبقة المسودة، لذا وتطبيقا لذلك يقول لينين إن العلامة الجوهرية للثورة هي انتقال سلطة الدولة من طبقة لطبقة . وكذلك روبسبير الذي كان يرى أن الثورة هي حرب الحرية ضد أعدائها .(احمد اراجه، مفهوم الثورة، منتديات الفكر القومي العربي) وهربرت ماركيوز الذى كان يعتقد أن الطلبة هم مستقبل العالم لإحداث التغيير بعدما فشلت الطبقة العاملة التي راهن عليها ماركس فى احداث هذا التغيير. وجان بول سارتر الذى رهن التغيير ايضا بالطلاب حيث يقول عنهم ( تملكون خيالا أخصب من أسلافكم، أمر تفصح عنه تلك الشعارات المكتوبة على الجدران. يتدفق منكم شيء مدهش، مزعزع، يدين كل ما أدى إلى وصول مجتمعنا إلى ما وصل إليه من رداءة. ظاهرة اسميتها حقل الممكنات) . الدين: أولا: آهل السنة:اتخذ أهل السنة موقفين من الثورة التي عبروا عنها بمصطلح خلع الحاكم الجائر الموقف الأول: منع الثورة على الحاكم الجائر، يقول الإمام ابن تيمية ( والصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة والجماعة)( مجموع الفتاوى ، 28 ) . ويقول الإمام الأشعري( و يرون الدعاء لأئمّة المسلمين بالصلاح و أن لايخرجوا عليهم بالسيف)( مقالات الإسلاميين 323) . الموقف الثاني : وجوب الثورة على الحاكم الجائر يقول الإمام الجصاص وكان مذهبه رحمه الله ( أي الإمام أبي حنيفة) مشهوراً في قتال الظلمة وأئمة الجور)( أحكام القرآن للجصاص 61 ).و ذكر ابن العربي من أقوال علماء المالكية ( إنما يقاتل مع الإمام العدل ، سواء كان الأول ، أو الخارج عليه ، فإن لم يكونا عدلين ، فأمسك عنهما إلا أن تراد بنفسك ، أو مالك ، أو ظلم المسلمين فادفع ذلك )( أحكام القرآن) ومن علماء الحنابلة الذين ذهبوا إلى القول بخلع الجائر ، ابن رزين ، وابن عقيل ، وابن الجوزي (الإنصاف للمرداوي 10 \ 311). ثانيا: الفرق الأخرى: الخوارج: قالوا بوجوب الخروج على السلطان الجائر، فهم يرون أن الثورة هي النمط الوحيد للتغيير، وبالتالي يرجحون كفه الثورة على كل المحاذير، و يرفضون الإصلاح كنمط للتغيير. المعتزلة: قالوا أن الخروج على السلطان الجائر إنما يكون بشرطي التمكن ووجود الإمام الثائر. المرجئه: قالوا بتحريم الخروج على الحاكم الكافر والجائر، ويترتب على مذهبهم انكارالتغيير بانماطه المختلفة (الإصلاح والثورة) لأن هذه الفرقة ترجي (تؤخر) عقاب العصاة إلى يوم القيامة. وتقول ( لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة) أي أن المؤمن يظل مؤمناً مهما ارتكب من المعاصي كما يظل الكافر كافراً مهما قام بأعمال صالحة. الشيعة الاماميه: قالوا بعدم جواز الامامه، او الخروج على السلطان الجائر ، أو صلاه الجماعة...إلا بعد ظهور المهدي، هذا الموقف السلبي حاول الخومينى تعديله ( في المجال السياسي) بقوله بنظريه ولاية الفقيه (الخومينى، الحكومة الاسلاميه، ترجمه حسن حنفي،القاهرة،1975) ، وهى نظريه تلقى معارضه حتى من داخل المذهب الشيعي باعتبارها دخيلة عليه. | |
|