صبرى محمد خليل خيرى
المساهمات : 112 تاريخ التسجيل : 08/05/2011
| موضوع: الليبرالية و الثورة الجمعة مايو 27, 2011 10:16 pm | |
| الليبرالية و الثورة د.صبري محمد خليل/ أستاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم sabri.khalil@hotmail.com التفسير الليبرالي لثوره الشباب العربي: هذا المقال هو قراءه نقدية للتفسير الليبرالي لظاهره الانتفاضات الشعبية العربية شبه المتزامنة ، والتي اندلعت شرارتها الأولى في تونس، ومنها انتقلت إلى مصر، وما زالت آثارها تتفاعل ، تلك الانتفاضات الشعبية التي كان طليعتها الشباب (ومن هنا جاء اسم ثوره الشباب)، وكانت أداه الإعلام بها والتعبئة فيها القنوات الفضائية، والموبايل، والانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فيه (كالفيسبوك والتوتير واليوتيوب…)... هذا التفسير يرى في هذه الانتفاضات انتصارا لليبراليه كفلسفة ومنهج وأسلوب حياه شامل متكامل راسمالى في موقفه من الاقتصاد، ديموقراطى ليبرالي في موقفه من الدولة، علماني في موقفه من الدين، فردى في موقفه من المجتمع... ومضمون هذا التفسير ان الديمقراطية الليبرالية والاقتصاد الرأسمالي هما وجهان لعمله واحده ، لذا عندما يكون الاتجاه العام اقتصاديا إلى الراسماليه(كما في النظم التي بدأت فيها ثوره الشباب العربي) لابد ان يصاحب المبادرات الراسماليه مبادرات ديمقراطيه ليبراليه ليكتمل النظام الليبرالي اقتصادا وسياسة في مرحله لاحقه. وهذا التفسير الليبرالي هو التفسير ( المعلن) للغرب ، وفى مقدمته الولايات المتحدة، والذي عبرت عنه هيلارى كلنتون وزيره خارجية أمريكا بقولها ان الاقتصاد والسياسة لا يسيران معا في الشرق الأوسط. الخلط بين دلالات مصطلح الليبرالية: أول أوجه النقد التي يمكن ان توجه إلى هذا التفسير هو انه يخلط بين دلالتين لمصطلح الليبرالية: دلالته العامة المشتركة اى الحرية كمفهوم مجرد تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج. ودلالته الخاصة المنفردة اى ما اكتسبه مفهوم الحرية من معنى كمحصله لتطبيقه في واقع اجتماعي معين زمانا ومكانا(هو واقع المجتمعات الغربية منذ القرن السابع عشر حتى اليوم)، وهو المعنى الذي تنفرد بفهمه فلسفه ومنهج معينين(هما الليبرالية كفلسفة ومنهج) . الخلط بين الليبرالية والديمقراطية: ثاني أوجه النقد التي يمكن ان توجه إلى هذا التفسير هو انه يخلط بين الليبرالية كفلسفة طبيعيه -على المستوى الوجودي- فرديه -على المستوى الاجتماعي-. وكمنهج للمعرفة يستند إلى فكره القانون الطبيعي، والتي مضمونها ان مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال سعى كل فرد لتحقيق مصلحته الخاصة. وكأسلوب شامل متكامل للحياة راسمالى في موقفه من الاقتصاد، ، علماني في موقفه من الدين ، فردى في موقفه من المجتمع، ديمقراطي ليبرالي في موقفه من الدولة... والديموقراطيه كنظام فني لضمان سلطه الشعب ضد استبداد الحكام . والتحرر من هذا الخلط ، ومن ثم التمييز بين الديقراطيه والليبرالية بتحقق من خلال تخليص الديمقراطية من الليبرالية كفلسفة ومنهج وأسلوب حياه شامل (رأسمالي، فردي، علماني..) وذلك بالديمقراطية ذاتها لا بإلغاء الديمقراطية. مع وجوب ملاحظة ان الديمقراطية كنظام غير مقصورة على نموذج واحد، ومع وجوب مراعاة الظروف الخاصة بكل مجتمع. هذا الموقف نجد عده أمثله له منها ان تبنى الكثير من المجتمعات للديمقراطية لم يلزم منه وصول قوى سياسيه ليبرالية للحكم ، بل العديد من القوى السياسية الأخرى كالقوى السياسية الاشتراكبه في أمريكا اللاتينية(كحزب العمال في البرازيل،والرئيس هوجو شافيز في فنزويلا ) وأوربا(كالحزب الاشتراكي الاسباني والفرنسي والالمانى...)، او القوى السياسية المحافطه في أوربا(كأحزاب المحافظين في بريطانيا وغيرها) وأمريكا (كالحزب الجمهوري)، او القوى السياسية ذات الأصول الدينبه(كالأحزاب الديمقراطية والاجتماعية والمسيحية في أوربا...)،او القوى السياسية الوطنية والقومية في العديد من أنحاء العالم ... الخلط بين المواقف المتعددة من الليبرالية: ثالث أوجه النقد التي يمكن ان توجه إلى هذا التفسير انه يخلط بين موقفين من الليبرالية. الاول هو الموقف النقدي (التجديد) الذي يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري يتم باستيعاب ما لا يناقض أصول الإسلام، التي تمثل الهيكل الحضاري للمجتمعات المسلمة، سواء كانت من إبداع المسلمين، أو إسهامات المجتمعات المعاصرة الأخرى ، ومن ضمنها المجتمعات الغربية الليبرالية، ومن هذه الإسهامات الديموقراطيه كنظام فني لضمان تحرر الشعب من استبداد الحكام. و الثاني هو موقف القبول المطلق لليبرالية (التغريب)، ويستند إلى أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث الجذور، وتبني قيم المجتمعات الغربية الليبرالية، اى تبنى الليبرالية كأسلوب حياه شامل متكامل راسمالى في موقفه من الاقتصاد، ديمقراطي ليبرالي في موقفه من الدولة، علماني في موقفه من الدين ، فردى في موقفه من المجتمع... جاء محصله عوامل تاريخيه وحضاريه وجغرافيه ... متفاعلة سادت أوروبا نحو ستة قرون.. في حين ان ثوره الشباب العربي هي في ذاتها دليل على فشل محاوله تغريب الشباب العربي وصهره في بوتقة الحضارة الغربية، ويؤكد صحة هذا التفسير أنها انطلقت أولا من تونس والتي جرت فيها أكثر محاولات التغريب (والعلمنة) في الوطن العربي جراءه (منذ عهد الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة ) ،ثم انتقلت ثانيا إلى مصر التي جرت فيها اكبر محاولات التغريب في الوطن العربي (نابليون، الخديوي إسماعيل...)، وبها واحده من اكبر النخب السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية..العربية المتغربة. غير انه يجب تقرير ان كلا الموقفين التغريب والتقليد هما وجهين لعمله واحده هي استمرار التخلف الحضاري ، فالتغريب يقوم على القول بوجوب إلغاء القيم الحضارية للشخصية العربية الاسلاميه واستبدالها بقيم جديدة ؛ متناسيا ان أن محاولة اجتثاث أي شخصية من جذورها محاولة فاشلة لن تؤدى إلا إلى حطام شخصية. والتقليد يقوم على الإبقاء علي الشخصية العربية الاسلاميه كما هي كائنة ؛ متناسيا ان هذا يعنى الإبقاء على المظاهر الفكرية والسلوكية السلبية التي افرزها التخلف الحضاري. وبناءا على هذا فان المجتمعات العربية التقليدية كالتي جرت فيها محاولات تغريب ة غير معصومة عن انتقال عدوى الانتفاضات الشعبية إليها(اليمن نموذجا). ولن تفلح المجتمعات العربية في تحقيق التقدم الحضاري إلا بتبني موقف التجديد القائم على إلغاء المظاهر السلبية للشخصية العربية الاسلاميه بإلغاء سببها (تخلف النمو الحضاري)،وفى ذات الوقت إبقاء القيم الحضارية الايجابية للشخصية العربية الاسلاميه . التناقض الخارجي و النظام الليبرالي للاقتصاد( الراسماليه): رابع أوجه النقد التي يمكن ان توجه لهذا التفسير هو أنه يركز على تفسير ثوره الشباب العربي باعتبارها محاوله لحل هذا التناقض الداخلي السابق الذكر(اى تناقض داخل النسق الفكري الليبرالي)، ويتجاهل تفسيرها كمحاوله لحل تناقض خارجي يمثل في التناقض بين الشكل الليبرالي للاقتصاد( الراسماليه) ومصالح الشباب العربي و اغلب الشعب العربي . ا/ الخصخصة وتداعيات الازمه الاقتصادية العالمية: حيث يشير كثير من الباحثين إلى ان ثوره الشباب العربي هي أساسا ثوره ضد واقع أوجدته تداعيات الازمه الاقتصادية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة الامريكيه و أثرت على معظم دول العالم في مراحل تاليه . ان جذور هذه الازمه ترجع إلى صميم النظام الاقتصادي الرأسمالي الربوى المستند إلى الليبرالية كمنهج، والقائلة بان مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال محاوله كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة،اى النظام الاقتصادي القائم على عدم تدخل الدولة كممثل للمجتمع. وتاريخ النظام الاقتصادي الراسمالى هو تاريخ النمو من خلال الأزمات التي تكاد تتكرر بصوره دوريه..فالازمه الاخيره هي احد هذه الأزمات الدورية ،والتي يتم تجاوزها دائما من خلال تدخل الدولة، اى من خلال نفى الأساس الفكري الايديولوجى الذي يستند إليه النظام الاقتصادي الراسمالى. لذا كانت الدول التي اتخذت موقف القبول المطلق من الخصخصة (الاليه الاساسيه للراسماليه)(ومنها تونس ومصر)،هي أكثر الدول تأثرا بالازمه الاقتصادية العالمية، لان هذا الموقف يعنى التبعية للاقتصاد الراسمالى الغربي، وبالتالي التأثر بكل أزماته الدورية. هنا لا يجب إنكار انه في ظل هذه الخصخصة تم تحقيق قدر كبير من التقدم الاقتصادي لكن السوال هنا هو: من الذى سيستفيد من هذا التقدم الاقتصادي إنها الاقليه وليس الاغلبيه. وهنا يجب الاشاره إلى ان قيام الثورات والانتفاضات الشعبية ضد واقع أوجدته الخصخصة كاداه أساسيه للنظام الليبرالي في الاقتصاد ( الراسماليه) ليس بالأمر الجديد، فقد شهدت نهاية القرن السابق وبداية الألفية الجديدة الكثير من الانتفاضات الشعبية ضد الخصخصة التي جرى تطبيقها تحت شعار الليبرالية الجديدة ، وبتوصية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في كثير من أنحاء العالم كإندونيسيا والأرجنتين والإكوادور وبوليفيا وغيرهم، ففى إندونيسيا سقطت ديكتاتورية سوهارتو التي استمرت 32 عاماً على يد انتفاضة الجماهير عام 1998، بعد سلسلة من المظاهرات الطلابية الدامية احتجاجاً على تداعيات الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي شهدتها النمور الآسيوية ، وفى القلب منها إندونيسيا، عام 1997،والتي استندت على الخصخصة كاداه أساسيه للتنمية الاقتصادية .أما أمريكا اللاتينية. فقد شهدت بداية الألفية الجديدة سلسلة من الانتفاضات الجماهيرية أطاحت بالديكتاتوريات الحاكمة احتجاجا على الأزمة الاقتصادية التي خلّفتها الخصخصة التي جرى تطبيقها هناك تحت شعار الليبرالية الجديدة ، فخلال أربعة أسابيع فقط تداولت الأرجنتين 4 رؤساء فى أعقاب الانتفاضة التي اجتاحت البلاد فى 19ـ20 ديسمبر 2001 على أثر إعلان الحكومة الأرجنتينية تجميد ودائع العمال والمواطنين فى البنوك، وتخفيض الأجور والمعاشات للقطاع الحكومي، ثم إعلان حظر التجوال بعد مهاجمة العاطلين لمحلات السوبر ماركت الكبيرة للحصول على الطعام، وانتهى الأمر بوصول البيرونى "دوهالدى" إلى منصب الرئاسة، ليدشن محادثات مكثفة مع صندوق النقد الدولي للخروج من الأزمة. كما شهدت الإكوادور أيضاً سقوط ثلاث حكومات متتالية كان أولها عام 2000 حين انتفض الآلاف من المواطنين احتجاجاً على السياسات الاقتصادية التي أفقرت قطاعات واسعة من الجماهير. حيث انخفض الناتج المحلى الإجمالي للبلاد بمقدار 7% عن العام السابق ووصل التضخم إلى 60%. وقد اجبر تصاعد الانتفاضة الرئيس "جميل ماهود" على الهروب خارج البلاد. ولم يكد يمر عامان على هروب الرئيس الإكوادوري مستقلاً طائرة هليكوبتر حتى لحقه بنفس الطريقة الرئيس البوليفي "سانشيز دى لوزادا" عام 2003 على أثر انتفاضة الفلاحين المسلحين بالأسلحة البيضاء والمناجل والفؤوس، ومعهم العمال، فى أعقاب إعلان الحكومة تصدير الغاز الطبيعي إلى شيلى. لكن الحقيقة أن انفجار 2003 جاء كحصاد موجات متلاحقة من الاحتجاجات والمواجهات الدامية بدأت عام 2000 مع إعلان الحكومة خصخصة قطاع المياه، ثم ارتفعت حدة المواجهات مع زيادة الضرائب في فبراير 2003... ولا يعنى التحليل السابق ان الموقف الصحيح من الخصخصة هو الرفض المطلق لها ،لان هذا يعنى العزلة عن الاقتصاد العالمي ، بل هو الموقف النقدي من الخصخصة قائم على التأكيد على دور الدولة في الاقتصاد مع العمل على إصلاح القطاع العام ،وعدم خصخصة المؤسسات الإستراتيجية والسلع الضرورية. وضمان ديمقراطية خصخصة القطاعات والسلع الأخرى بالرجوع إلي الشعب ورقابه الدولة. ب/ ارتباط السلطة والرأسمال : كما قرر كثير من الباحثين ان ثوره الشباب هي ثوره على واقع قائم على ارتباط غير شرعي بين السلطة والرأسمال، فهي ثوره ضد استبداد السلطة والرأسمال في نفس الآن ، ومرجع ذلك ان الديموقراطيه الليبرالية في المجتمعات الغربية إذ تحرر الشعب من استبداد الحاكمين ، لا تضمن عدم استبداد الرأسماليين فيه، لان النظام الراسمالى هو النظام الليبرالي في الاقتصاد، فالديمقراطية الليبرالية في تلك المجتمعات إذ تضمن ان تحتفظ للشعب بسلطته في مواجهه الحاكمين ،تأتى الليبرالية – ممثله في نظامها الاقتصادي اى الرسماليه- فلا تضمن ان يسلب الرأسماليين الشعب سلطته ( د.عصمت سيف الدولة، النظرية ، ج2، ص197-198 ). أما الانظمه التي تعرضت وستتعرض لتلك الانتفاضات الشعبية فقائمه على النظام الليبرالي في الاقتصاد اى الراسماليه التي عبر عنها بأسماء عديدة منها الانفتاح الاقتصادي والإصلاح الاقتصادي والخصخصة وتطوير القطاع العام… فلم تضمن ان يسلب الرأسماليين الشعب سلطته ، وعدم استبدادهم فيه، وفى ذات الوقت لم تلتزم بالنظام السياسي لليبراليه اى الديمقراطية الليبرالية( وبدعم من الغرب الليبرالي بقياده الولايات المتحدة) ، فلم تضمن ان يحتفظ للشعب بسلطته في مواجهه الحاكمين ، و عدم تحرره من استبدادهم . وخرج من رحم هذا الاستبداد المزدوج الفساد في أسوء أشكاله، وكما هو معلوم فان الفساد هو احد أهم أسباب الثورات والانتفاضات الشعبية. | |
|