صبرى محمد خليل خيرى
المساهمات : 112 تاريخ التسجيل : 08/05/2011
| موضوع: قضايا التغيير السياسى ومفهوم المفاضلة الجمعة فبراير 10, 2012 11:25 pm | |
| قضايا التغيير السياسى ومفهوم المفاضلة د.صبري محمد خليل / أستاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم sabri.khalil@hotmail.com تمهيد: مذهب المفاضلة فى التغيير:هذا المقال هو محاوله لتطبيق مفهوم المفاضلة ، الذى أسس له الفكر القانوني الاسلامى بقطاعيه الاصولى " علم اصول الفقه" والفقهي" علم الفقه" ،على التغيير و أنماطه المتعارضة كالإصلاح والثورة، والسلمية واستخدام القوه، واستخدام القوه الذاتية والاستعانة بقوه خارجية ، والتي يعبر عنها عاده بقضايا التغيير السياسي. أولا: مفهوم التغيير: التغير لغة اشتقاق من ماده (غَيَّرَ) والتي تدور على أصليْن: الاول إحْداث شيء لم يكن قبلَه. والثاني انتِقال الشيء من حالةٍ إلى حالة أخرى ( التعريفات، الجرجاني، باب التاء، مادة التغيير – التغير) و (لسان العرب، ابن منظور، حرف الراء، مادَّة غير).أما اصطلاحا فهو تحول بدون أضافه ( تغير)، او من خلال الاضافه(تغيير). وقد اعتبر منهج المعرفة الاسلامى ان التغير هو سنه إلهيه كليه تضبط حركه الوجود الشامل للطبيعة المسخرة والإنسان المستخلف: قال تعالى ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ).. وقال تعالى(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مكين ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ).وقال تعالى(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].وقال تعالى(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنفال: 53]. غير ان التغير كقانون نوعى يضبط حركه نوع معين من أنواع الوجود ، هو الذى يحدد لنا شرط فعالية التغير كقانون كلى فيه، فهو يأخذ شكل تحول بدون اضافه في الطبيعة المسخرة ( تغير) كما في الآيتين الأولى والثانية. كما يأخذ شكل تحول من خلال الاضافه عند الإنسان المستخلف( تغيير ) كما في الآيتين الأخيرتين. ويأخذ التغيير في منهج المعرفة الاسلامى شكل تكويني يتمثل في حل الإنسان لمشاكله المتجددة من خلال ثلاثة خطوات هي: المشكلة ، الحل ، العمل. وشكل تكليفي يحدد الشكل التكويني السابق فيكمله ولكن لا يلغيه ، فيكون بمثابة ضمان موضوعي مطلق لاستمرار فاعليته ، حيث يحدد نوع المشاكل التي يواجهها الإنسان، وطرق العلم بها ونمط الفكر الذي يصوغ حلولها ،وأسلوب العمل اللازم لحلها. ثانيا: مفهوم المفاضلة:أما مضمون مفهوم المفاضلة فهو: الجمع بين الأفعال(انماط السلوك) "بما هي وسائل لغايات (مقاصد) شرعيه معينه في مجال معين" ،على وجه يرفع التعارض(التناقض) بينها،من خلال التقديم والتأخير (الزمانى والقيمى)، وطبقا لضوابط موضوعيه مطلقه " مصدرها النصوص يقينية الورود قطعيه الدلالة"،بهدف جلب المنافع ودفع المفاسد ما أمكن. وطبقا لهذا التعريف فان هذا المفهوم هو درجه من درجات الجمع بين المتعارضات(المتناقضات)، فهو موقف قائم منهجيا على رفض الوقوف إلي أحد النقيضين، ومحاوله إلغاء التناقض بينها،بان يؤلف(يجمع) بينها،وهو ما عبر عنه القران بمصطلحات كالوسطية والقوامة:"وكذلك جعلناكم أمة وسطاً". "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكانوا بين ذلك قواماً". فهذا المفهوم إذا يتميز – ولا يتناقض - عن درجه أخرى من درجات الجمع بين المتعارضات، هي التسوية والتي تقوم على التأكيد على القيمة المتساوية لكل المتعارضات، فتجعل العلاقة بينها علاقة تأثير متبادل، ولا تؤكد على متعارض لتلغى أخر،وفى حاله قولها باولويه متعارض على آخر ، فإنها تقصد بالاولويه اولويه ترتيب زماني لا اولويه تفضيل قيمي ، فكلا الدرجتين من درجات الجمع بين المتعارضات تحاول ان تجعل العلاقة بين المتعارضات علاقة توازن. لكن من زوايه أخرى فان مفهوم المفاضلة كدرجه من درجات الجمع بين المتعارضات يتناقض مع الإفراد: اى الوقوف إلى احد النقيضين، اى التطرف في التأكيد على فعل(نمط سلوك) معين لدرجه إلغاء الأفعال الأخرى ، وبالتالي يجعل العلاقة بينها علاقة اختلال.ومرجع ذلك أنها تحول هذا الفعل او ذاك إلى مطلق اى كل قائم بذاته ومستقل عن غيره . وقد استخدم الفكر القانوني الاسلامى ذات المصطلح" المفاضلة او التفاضل" للتعبير عن المفهوم، كما استخدم مصطلحات أخرى كمصطلح الموازنة ،كما تناول الفكر القانوني الاسلامى المفهوم تحت عناوين كفقه مراتب الإعمال او فقه الأولويات . وقد أشارت الكثير من النصوص إلى مفهوم المفاضلة كقوله تعالى(أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(التوبة: 19( . وقوله صلى الله عليه وسلم(الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ)(مسلم).كما أشار إليه العلماء، يقول ابن تيمية (ينظر في الراجح منهما فيعمل به، فقد تترجح الحسنة على السيئة فتعمل، وقد تترجح السيئة على الحسنة من حيث فعلها فتعمل، وهذا كله إذا كان يلزم من فعل الحسنة الوقوع في السيئة أو يلزم من ترك السيئة ترك الحسنة(الفتاوى).ويقول ابن القيم (فإن نجا – أي: العبد – منها – أي : من عقبات الشيطان - بفقه في الأعمال ومراتبها عند الله ومنازلها في الفضل، ومعرفة مقاديرها، والتمييز بين عاليها وسافلها، ومفضولها وفاضلها ،ورئيسها ومرؤوسها، وسيدها ومسودها، فإن في الأعمال والأقوال سيدا ومسودا ورئيسا ومرؤوسا وذروة وما دونها) (مدارج السالكين1/225). ويقول الغزالي )وترك الترتيب بين الخيرات من جملة الشرور( (الإحياء 3/403) ثالثا: قضايا التغيير السياسي ومفهوم المفاضلة : والفكر السياسي الاسلامى المعاصر، على مستوى فروعه الاجتهادية المتغيرة،المقيدة بأصوله النصية الثابتة ،مدعو للجمع بين ان انماط التغيير المتناقضة ، على وجه يرفع التناقض بينهما، من خلال مفهوم المفاضلة، اى من تقديم نمط تغيير معين على نمط تغيير أخر رمانيا وقيميا، وذلك باعتبار نمط التغيير الاول هو الأصل، وبالتالي الالتزام به ما دامت تتوافر امكانيه التزام به، بينما نمط التغيير الثاني هو الفرع،وبالتالي عدم الالتزام به إلا فى حاله عدم توافر امكانيه الالتزام بنمط التغيير الاول. ا/ المفاضلة بين الإصلاح والثورة : فتطبيق مفهوم المفاضلة على نمطي التغيير: التغيير التدريجي الجزئي اى الإصلاح ،والتغيير الفجائي الكلى اى الثورة، إنما يتحقق من خلال الجمع بينهما ، على وجه يرفع التعارض (التناقض) بينهما، من خلال تقديم الإصلاح على الثورة رمانيا وقيميا، وذلك باعتبار الإصلاح هو نمط التغيير الأصل، وبالتالي الالتزام به ، ما دامت تتوافر امكانيه التزام به، بينما الثورة هي نمط التغيير الفرع،وبالتالي فان الالتزام بها إلا يكون إلا فى حاله عدم توافر امكانيه الالتزام بالإصلاح. ومرجع ذلك ان التغيير كسنه إلهيه قائم على السببية ، اى تحقق المسبب (الأثر) بتحقق السبب(العلة)، وتخلفه بتخلف السبب (العلة) . وبناءا على هذا فان سنه التغيير الالهيه يمكن تعويق فاعليتها (بعدم الالتزام بأسبابها وعللها) ، ولكن لا يمكن الغاء حتميتها( اى لا يمكن إلغاء علاقة التلازم بين عللها وأثارها )، وبناءا على هذا فان للتغيير نمطين : الإصلاح: النمط الاول هو الإصلاح ، وهو نمط التغيير الأصل في منهج التغيير الاسلامى، لأنه تعبير عن اضطراد التغيير كسنه إلهيه ،فهو يتصف بالاستمرارية، كما انه تعبير عن المشاركة كسنة إلهية تضبط العلاقة بين الناس مضمونها تبادل العلم بمشكلة مشتركة ثم تبادل المعرفة بحلولها المحتملة ثم تعين القرار الذي يرى كل مشارك انه الحل الصحيح للمشكلة ، وقد عبر القران عنالمشاركه بمصطلحات ايجابيه كالتأليف(واذكروا نعمه الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )(13: آل عمران) والتعاون( وتعاونوا على البر والتقوى )(2: المائدة) و الموالاة(المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)(7: التوبة) . وردت الاشاره إلى مصطلح الإصلاح فى القران الكريم كما في قوله تعالى (ان أريد إلا الإصلاح ما استطعت)(هود:88)، والمفهوم الاسلامى للإصلاح هو التغيير من خلال نظام قانوني تتوافر فيه امكانيه التغيير ، فهو يتم من خلال نظام قانوني تتوافر له الشرعيه التكليفيه (نظام قانوني اسلامى)والتكوينية( السلطة فيه جاءت من خلال بيعه صحيحة باعتبارها عقد اختيار لم يدخله اجبار، وهى نائب ووكيل عن الجماعة لها حق تعيينها ومراقبتها وعزلها)، فهو شكل من اشكال مراقبه السلطة. ومن ادله الإصلاح اى التغيير التدريجي السلمي وأولويته كنمط التغيير قوله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، ليس بعد ذلك من الإيمان شيء) (صحيح مسلم رقم 78). ويأخذ الإصلاح كنمط للتغيير اشكال عده أهمها التقويم الذى عبر عنه أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) بقوله (إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني). والتقويم يعبر عن موقف يتجاوز كل من موقفى الرفض المطلق والقبول المطلق إلى موقف نقدي قائم على اخذ وقبول الصواب، ورد ورفض الخطا، فهو نقد للسلطة لتقويمها اى بهدف الكشف عن أوجه قصورها عن أداء دورها . ومن أشكال الإصلاح النصح لقوله (صلى الله عليه وسلم)(الدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله !؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) يقول الباقلاني بعدما ذكر فسق الإمام و ظلمه ... بل يجب و عظه و تخويفه ، و ترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله)(التمهيد 186). الثورة : والنمط الثاني هو الثورة ، وهو نمط التغيير الفرع فى منهج التغيير الاسلامى، لأنه يجئ كمحصله لمحاوله تعويق فاعليه سنه التغيير إلهيه.فهو يتصف بالمرحلية ( ذو طبيعة انتقاليه)، ولانه تعبير عن الصراع الذى يوجد عند تعطل فاعليه المشاركة كسنه إلهيه ، فهو عقبه أمام التطور الاجتماعي من خلال حل المشاكل المتجددة وغايته إلغائه ، وقد.وردت الاشاره إلى مصطلح الثورة بمعناه اللغوي اى القلب فى القران الكريم كما فى قوله تعالى(لا ذلول تثير الأرض)(البقرة:71) أما المفهوم الاسلامى للثورة فهو التغيير خارج إطار نظام قانوني لا تتوافر فيه امكانيه التغيير. فهو تغيير فجائي وكلى يتم خارج إطار نظام قانوني لا تتوافر له الشرعية التكليفيه والتكوينية ، ورغم استخدام بعض المتقدمين لمصطلح الثورة فى التاريخ الاسلامى إلا انه قد عبر عن الثورة بمصطلحات أخرى كخلع السلطان الجائر. موقف آهل السنة من الثورة: وقد اتفق أهل السنة على وجوب الإصلاح( التقويم والنصح...) كنمط تغير أصل، كما اتفقوا على وجوب الثورة كنمط للتغيير فى حاله انتفاء الشرعية التكليفيه( ككفر الحاكم او عدم التزامه بالشرع مع إنكاره له) لورود النصوص الدالة على ذلك ومنها عن عبادة بن الصامت قال دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)( صحيح البخاري رقم 6647)، ولكنهم اختلفوا فى الثورة كنمط للتغيير فى حاله انتفاء الشرعية التكوينية( كالبيعة التي يدخلها إجبار او الحاكم الجائر) إلى مذهبين :المذهب الاول (المنع) : يمنع الثورة على الحاكم الجائر ، يقول الإمام ابن تيمية ( والصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة والجماعة)( مجموع الفتاوى ، 28 المذهب الثاني(الإيجاب) : يرى إيجاب الثورة على الحاكم الجائر ذكر أبن أبي يعلى في ذيل طبقات الحنابلة عن الإمام أحمد في رواية ) من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامــة ، وإن قدرتم على خلعه فافعلوا )( طبقات الحنابلة). ومن علماء الحنابلة الذين ذهبوا إلى القول بخلع الجائر ، ابن رزين ، وابن عقيل ، وابن الجوزي (الإنصاف للمرداوي 10 \ 311). ومن الواضح ان كل مذهب من هذين المذهبين، قد أسسه أصحابه ، بناءا على تقديرهم بتوافر امكانيه الإصلاح فى النظام القانوني المعين او عدم توافرها ، فالمذهب الاول أسسه أصحابه بناءا على تقديرهم بتوافر امكانيه الإصلاح فى النظام المعين، بينما المذهب الثاني(إيجاب الثورة)أسسه أصحابه بناءا على تقديرهم عدم توافر امكانيه الإصلاح فى النظام المعين، وبناءا على ذلك فان المذهب الاول يصح الاستدلال به فى حاله توافر امكانيه الإصلاح فى النظام المعين أما المذهب الثاني فيصح الاستدلال به فى حاله عدم توافر امكانيه الإصلاح فى النظام المعين . هذا الموقف السابق بيانه يتجاوز مواقف تتطرف فى التأكيد على نمط تغيير معين لدرجه إلغاء نمط التغيير الأخر، ومن أمثلتها مذهب الخوارج ،الذى استنادا إلى مفهومه فى الخروج تطرف فى التأكيد على الثورة" الخروج على السلطان الجائر" كنمط تغيير ، لدرجه إلغاء نمط التغيير الأخر اى الإصلاح، وإيه هذا أنهم لم يميزوا فى خروجهم بين نظم قانونيه شرعيه وأخرى غير شرعيه (مثال للأولى خلافه على ابن أبى طالب"رضي الله عنه"ومثال للثانية كثير من خلفاء الدولة الامويه) .ومن أمثلتها قطاع من العلماء يرى شرعيه السلطة التي لم تجىْ من خلال بيعه صحيحة، باعتبارها عقد اختيار لم يدخله إجبار، وتستبد بالسلطة دون الجماعه، بدلا من ان تكون نائب ووكيل عنها، لها حق تعيينها ومراقبتها وعزلها ،ويرفض التغيير بأنماطه المختلفة (الإصلاح والثورة)، لذا أطلق عليهم اسم علماء السلطان. ويستند هذا القطاع من العلماء فى موقفه هذا إلى عدد من الادله أهمها النصوص الدالة على وجوب طاعة أولى الأمر كقوله تعالى (و أطيعوا الله ورسوله وأولى الأمر منكم)،غير ان طاعة أولى الأمر فى الايه وغيرها من النصوص ليست مطلقه كما يلزم من مذهبهم ، بل هي مشروطة بعدم معصيه الله تعالى، كما في الحديث( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) يقول الطوفي الحنبلي في كتابه (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية2/28) فـ( الأمر في هذه الآية عام مخصوص بما إذا دعوا الناس إلى معصية أو بدعة لا تجوز طاعتهم للحديث: " إنما الطاعة في المعروف ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". وقد امتنع كثير من أئمة السلف من إجابة الخلفاء إلى المناكر والمفاسد والبدع. وهم في ذلك قدوة، والآية المذكورة حجة لهم ) .والقول بالطاعة المطلقة للحاكم يتنافى مع مفهوم التوحيد والذي يلزم منه اسناد الحاكميه -السيادة (السلطة المطلقة ) لله تعالى. وهو مذهب مخالف للإسلام. وهذا الموقف فى تصورنا يفارق موقف أهل السنة بمذهبيهم، ويقارب موقف فرقه المرجئه المبتدعه، والتي تفصل بين الإيمان والعمل،ويترتب على مفهومها فى الإرجاء ترفض التغيير بأنماطه المتعددة(الإصلاح والثورة). ب/ المفاضلة بين السلمية واستخدام القوه: كما ان تطبيق مفهوم المفاضلة على نمطي الثورة: السلمية واستخدام القوه، إنما يتحقق من خلال الجمع بينهما،على وجه يرفع التعارض (التناقض) بينهما، من خلال تقديم الأساليب السلمية على استخدام القوه زمانيا وقيميا، وذلك باعتبار الأساليب السلمية هي الأصل، وبالتالي الالتزام بها ما دامت تتوافر امكانيه التزام بها، بينما استخدام القوه هو الفرع،وبالتالي فان الالتزام بها إلا يكون إلا فى حاله عدم توافر امكانيه الالتزام بالأساليب السلمية.استنادا إلى ما سبق ،فان المذهب القائم على تطبيق مفهوم المفاضلة على نمطي الثورة، يقوم على التأكيد على استخدام الوسائل السلمية في التغيير، و نبذ العنف إلا للضرورة المتمثلة في الدفاع عن النفس وبشروط ، ذلك ان اباحه استعمال العنف في حاله الضرورة او في حاله الدفاع الشرعي، هو ما تقره كل الأعراف والقوانين المحلية والدولية والشرائع السماوية. موقف الشريعة الاسلاميه:ومن ناحية شرعيه فان نبذ العنف واستخدام الوسائل السلميه فى التعبير يدخل فى عموم النهى عن العدوان ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين﴾َ و عموم النهى عن الافساد فى الارض﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فسادا أن يُقتلوا أو يصلّبوا أو تُقطع أيديهم﴾َ.لكن الشريعه تبيح استخدام القوه في حاله الضرورة او في حاله الدفاع الشرعي وبشروط ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾( الحج(39. وروى أبو داوود في سننه عن سعيد بن زيد عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله أو دمه أو دون دينه فهو شهيد ) . كما أجمع الفقهاءعلى حق الدفاع الشرعي ، لدفع الخطر غير المشروع عن الأعراض أو المال أو النفس ، وان اختلفوا في اللفظ الدال على هذا الحق ، وفي تكييف الخطر المنصب على هذا الحق . فقال الأحناف ( دم المدفوع هدر ولا شئ بقتله بدليل قوله (صلى الله عليه وسلم) (من شهر على المسلمين سيفاً فقد أبطل دمه لأنه باغياً )( الزيلعي –تبين الحقائق – ج6 /110 .) . وقال الحنابلة: ( دم المدفوع هدر ، وهو إلى النار) ( الشويكي –التوضيح - ج2/162 ) وقال الشافعية : ( إن الصائل يجوز دفعه )( الخطيب الشربيني –مغني المحتاج – ج4/ 194 )وقال المالكية : ( جاز دفعه بالقتل وغيره ) (الدردير –الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه – ج4/356 –357 ). كما ان حق الدفاع الشرعي ليس مقصور الاستخدام في مواجهه أفراد او جماعات خارجه عن القانون فقط ، بل أيضا في مواجهه نظم سياسيه استبداديه غير ملتزمة بالقانون، يقول ابن العربي فى معرض عرضه لأقوال علماء المالكية فى قضيه جواز خلع السلطان الجائر( إنما يقاتل مع الإمام العدل ، سواء كان الأول ، أو الخارج عليه ، فإن لم يكونا عدلين ، فأمسك عنهما، إلا أن تراد بنفسك ، أو مالك ، أو ظلم المسلمين فادفع ذلك )( أحكام القرآن) . هذا المذهب يتجاوز مذهب اخرى تتطرف فى التاكيد على احد نمطى الثوره(السلميه او استخدام القوه) ومن امثلتها بعض الجماعت المغاليه التى تبيح استخدام القوه استخداما مجردا من اى ضوابط شرعيه. ومن امثلتها بعض المذاهب التى ترفض اسخدام القوه باى شكل من الاشكال تاثرا ربما بمذاهب اجنبيه. ج/ المفاضلة بين استخدام القوه الذاتية والاستعانة بقوه خارجية: كما ان تطبيق مفهوم المفاضلةعلى نمطي استخدام القوه: استخدام القوه الذاتية والاستعانة بقوه خارجية ، إنما يتحقق من خلال تقديم استخدام القوه الذاتية على الاستعانة بقوه خارجية زمانيا وقيميا، وذلك باعتبار استخدام القوه الذاتية هو الأصل فى استخدام القوه ، وبالتالي الالتزام به ما دامت تتوافر امكانيه التزام به، بينما الاستعانة بقوه خارجية هو الفرع،وبالتالي فان الالتزام به إلا يكون إلا فى حاله عدم توافر امكانيه استخدام القوه الذاتية. موقف الفقهاء: ومن ناحية شرعيه فانه رغم اتفاق الفقهاء على عدم الاستعانة بالاجنبى لمخالفته حكم ان الجهاد يكون فرض عين إذا دخل العدو ارض الإسلام، فان هناك العديد العلماء يبيحونه بشروط معينه للضرورة، وهم يستدلون بالعديد من الادله منها: أن أبا طالب كان يحمي الرسول الله صلى الله عليه وسلم ويمنعه من قريش . . ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية لمكانه من الله، ومن عمه أبي طالب وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه". وعرض ابن الدغنة على أبي بكر جواره، فقبله أبو بكر(ابن هشام ج1 ص 396). مذهب المفاضله: اما المذهب القائم على تطبيق مفهوم المفاضلة على نمطى استخدام القوه فيقوم على: رفض استعانة بالاجنبى. الا للضروره المتمثله فى حماية حياه المسلمين من الأذى الحال والخطر المباشر، الذى تتعرض له ، بعد عدم توافر امكانيه تحقيق ذلك بواسطة أهل البلد المعين خاصة والمسلمين عامه، وذلك استنادا الى قاعده (الضرورات تبيح المخحظورات) ، بالاضافه إلى الادله السابقه وغيرها من الادله. وعلى ان لا يتجاوز ذلك إلى ما يمس مصلحه الدولة الاسلاميه المعينة،ووحدتها وسلامه أراضيها ،وسيادتها على أرضها،وذلك استنادا إلى قاعدة(الضرورة تقدر بقدرها).حتى لا يتم تجاوز الاستخدام الشرعي لقاعدة الضرورة المشار إليه أعلاه، والذي يقارب مفهوم الحماية الدولية للمدنيين في القانون الدولي المعاصر، إلى الاستخدام غير الشرعي للقاعدة، والمتمثل في اتخاذ قاعدة الضرورة كذريعه لتبرير التدخل الاجنبى الذى يمهد للتبعية، وهو ما يعنى اعتبارالاستعانه بقوه خارجيه هو الاصل . بين التبعيه والاستعمار: فهذا المذهب اذا يتجاوز موقفين من العلاقه بين الاستعمار والاستبداد ،يتطرف الاول فى التركيز على مشكله الاستعمار الخارجي، ويتجاهل – او يقلل من أهميه- مشكله الاستبداد الداخلي،وهو موقف مرفوض لأنه يستغل مشكله الاستعمار لتبرير الاستبداد . أما الثاني فيتطرف فى التاكيد على مشكله الاستبداد الداخلي ، ويتجاهل – او يقلل من أهميه-مشكله الاستعمار الخارجي، وهو موقف مرفوضلانه يستغل مشكله الاستبداد لتبرير التبعيه. أما الموقف الصحيح فهوالموقف الذى يرفض التركيز على احد المشكلتين وتجاهل الأخرى، ويربط بين مشكلتي الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي،باعتبار ان الاول هو قيد داخلي على حرية الشعوب ، بينما الثاني هو قيد خارجي عليها. فالاستبداد هو قيد داخلي على حرية الشعوب لأنه انفراد اقليه (فرد او فئة) بالسلطة دون الشعب .والاستعمار هو قيد خارجي على حرية الشعوب لأنه استيلاء شعب على إمكانيات شعب أخر وتسخيرها لخدمة مصالحه.
- للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان http://drsabrikhalil.wordpress.com) ). | |
|