صبرى محمد خليل خيرى
المساهمات : 112 تاريخ التسجيل : 08/05/2011
| موضوع: الحوار الصوفى السلفى: موجباته وموجهاته الأربعاء مارس 21, 2012 10:28 pm | |
| الحوار الصوفى السلفى: موجباته وموجهاته د.صبرى محمد خليل /استاذ بجامعه الخرطوم/ تخصص فلسفه القيم الاسلاميه sabri.khalil@hotmail.com الحوار وموجباته: الحوار لغة من المُحاورة ؛ وهي المُراجعة في الكلام،وفى المختار من الصحاح : المحاورة : المجاوبة، وقد يستعمل لفظى الحوار والجدال للدلاله على ذات المعنى، وقد اجتمع اللفظان في قوله تعالى : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (المجادلة:1).والحوارهو احد المناهج الاساسيه التى استخدمها الاسلام كدين، لذا نجد ان القران الكريم يتضمن الكثير من المحاورات(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [المجادلة: 1].(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة: 258]. (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) [إبراهيم: 10]. و هناك شكلين من اشكال الحوار:اولا:الحوار الخارجى،اى الحوار بين المسلمين وغير المسلمين ،ومن موجباته دعوه غير المسلمين الى الاسلام.ثانيا: الحوار الداخلي،اى الحوار بين المسلمين،ومن موجباته تحقيق الوحدة الاسلاميه"التكليفيه" (التي هى شرط للوحده الاسلاميه التكوينية)، يقول ابن تيميَّة( وقد أمر الله تعالى المؤمنين بالاجتِماع والائتلاف، ونَهاهم عن الافتراق والاختلاف، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 102 - 103]، إلى قوله: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [آل عمران: 106]( مجموع فتاوى ابن تيميَّة" 22/ 251)،ومضمون هذه وحدة الاتفاق على أصول الدين اليقينية الورود القطعية الدلالة،مع تضييق نطاق الاختلاف في فروعه الظنية الورود والدلالة ما امكن ، اذا هذا الشكل من اشكال الحوار يهدف الى اقرار التعدد والاختلاف المذهبى على مستوى الفروع، لكن دون ان بمس هذا التعدد والاختلاف وحده الامه، فهو يدعو اصحاب المذاهب المختلفه الى ما هو مشترك فى الاسلام كدين، حتى وان لم يتخلوا عن مذاهبهم ، وفى هذه الحياة المشتركة يكون الحوار حول اى الأقوال اصح ، دون أن يمس أو يهدد الحوار هذه الحياة المشتركة,ومن اشكال هذ الحوارالداخلى الحوار الصوفى السلفى. موجهات الحوار:وهناك العديد من الموجهات التى ينبغى ان تضبط هذا الحوار، لكى ينجح فى تحقيق غايته وهى الوحده ،ويمكن تقسيمها الى نوعين: اولا: الموجهات النافيه: النهى عن التعصب المذهبي: من هذه الموجهات النهى عن التعصب المذهبي الذى ذمه علماء أهل السنة،يقول ابن تيميَّة( ومن تعصَّب لواحدٍ بعينه من الأئمَّة دون الباقين، فهو بِمَنْزلة مَن تعصَّب لواحدٍ بعينه من الصحابة دون الباقين، كالرافضيِّ الذي يتعصَّب لعليٍّ دون الخلفاء الثلاثة، وجمهور الصحابة، وكالخارجيِّ الذي يَقْدح في عثمانَ وعليٍّ - رضي الله عنهما - فهذه طرق أهل البدع والأهواء الذين ثبت بالكتاب والسُّنة والإجماعِ أنَّهم مذمومون خارجون عن الشَّريعة والمنهاج الذي بعث الله به رسولَه، فمن تعصَّب لواحدٍ من الأئمة بعينه ففيه شَبهٌ من هؤلاء، سواءٌ تعصَّب لمالكٍ أو الشافعي أو أبي حنيفة أو أحمد، أو غيرهم. )(مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" 22/ 252 – 254)..ويقول ابن القيِّم( وأما المتعصِّب الذي جعل قولَ متبوعه عيارًا على الكتاب والسُّنة وأقوالِ الصحابة، يزِنُها به، فما وافق قول متبوعه منها قبِلَه، وما خالفه ردَّه، فهذا إلى الذمِّ والعقاب أقرب منه إلى الأجر والصَّواب؛ وإن قال - وهو الواقع -: اتَّبعته وقلَّدته، ولا أدري أعلى صوابٍ هو أم لا؟ فالعُهْدة على القائل، وأنا حاكٍ لأقواله، قيل له: فهل تتخلَّص بهذا من الله عند السُّؤال لك عمَّا حكمت به بين عباد الله، وأفتيتهم به؟ فوالله إن للحُكَّام والمفتين لموقفًا للسؤال لا يتخلص فيه إلاَّ مَن عرف الحق، وحكم به، وأفتى به، وأما من عداهما فسيَعلم عند انكشاف الحال أنه لم يكن على شيء )(إعلام الموقِّعين" 2/ 232). هذا التعصب المذهبي يحول المذهب المعين من اجتهاد محدود" مقيد" بأصول الدين ، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة،إلى تشريع مطلق قائم بذاته ومستقل عن هذه الأصول،وهنا يساوى المتعصب للمذهب بين صاحب المذهب والرسول صلى الله عليه وسلم ،يقول ابن تيميَّة( أما وجوب اتِّباع القائل في كل ما يقوله من غير ذِكْر دليل يدلُّ على صحة ما يقول فليس بصحيح، بل هذه المرتبة هي مرتبة الرَّسول التي لا تصلح إلا له)(مجموع فتاوى ابن تيمية" 35/ 121). النهى عن التكفير:ومن هذه الموجهات عدم تكفير المخالف فى المذهب لورود الكثير من النصوص التي تفيد النهى عن تكفير المسلمين: قال تعالى ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً تبغون عرض الحياة الدنيا). و قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) ( ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله ) (ترجم له البخاري والالتزام بضوابط الحكم بالكفر التى قررتها النصوص وأشار إليها علماء أهل السنة ومنها:ا/ لا تكفير إلا بإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة: والمقصود بالمعلوم من الدين بالضرورة النص يقيني الورود(من الله تعالى او الرسول(صلى الله عليه وسلم)) القطعي الدلالة(لا يحتمل التأويل)لان الخلاف والإنكار فى الفروع جائز ،يقول ابن مفلح( لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع)[الآداب الشرعية 1/186]. . ب/ التكفير على العموم أما المعين فيتوقف تكفيره على استيفاء الشروط وانتفاء الموانع: بمعنى جواز القول بان القول المعين هو كفر، أما الشخص المعين فلا يجوز القول بكفره إلا بعد استيفائه شروط التكفير وانتفاء موانعه عنه، يقول ابن تيمية ( إن التكفير العام يجب القول بإطلاقه وعمومه، وأما الحكم على المعين بأنه كافراً أو مشهود له بالنار، فهذا يقف على الدليل المعين، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه) (ابن تيمية، الفتاوى، الفتاوى ،مجلد 12، ص22) .ج/ التمييز بين الكفر الأكبر(الاعتقادى) والكفرالاصغر( العملي)، فالأول هو إنكار أصل من أصول الدين، والثاني هو المعصية ، والأول يوجب الخروج من الملة والثاني لا يوجب ذلك، يقول ابن القيم(فأما الكفر فنوعان :كفر اكبر وكفر اصغر.فالكفر الأكبر :هو الموجب للخلود في النار.والأصغر:موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود) (مدارج السالكين :1/364(. د/العذر بالجهل: اى عدم تكفير من جهل ان قوله هو كفريقول ابن القيم ( أما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية ونحوهم فهؤلاء أقسام: أحدهما الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادراً على تعلم الهدى ..)( ابن القيم، الطرق الحكمية، ص174).ه/ لازم المذهب ليس بلازم:اى ان الكفر الذى يلزم منطقيا من مذهب معين لا يوجب التكفير إلا فى حاله التزام أصحاب هذا المذهب بهذا اللازم ، يقول ابن تيمية : (فلازم المذهب ليس بمذهب ، إلا أن يلتزمه صاحب المذهب ،فخلق كثير من الناس ينفون ألفاظاً أو يثبتونها ،بل ينفون معاني أو يثبتونها ،ويكون ذلك مستلزماً لأمور هي كفر ،وهم لا يعلمون بالملازمة) ( مجموع الفتاوى : 5/306).
ثانيا: الموجهات المثبته: المواقف من الرفض و القبول المطلقين الى الموقف التقويمى: ومن هذه الموجهات تجاوز موقفى الرفض و القبول المطلقين، الى الموقف النقدى ( التقويمى ) الذى دعي منهج التفكير الاسلامى إلى الالتزام به، بعد تقييده بمعايير موضوعيه مطلقه ، هي النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة، كما فى قوله تعالى: ( الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه).وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يكن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسئت، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا،وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم). ومضمون هذا الموقف هنا هو تناول كل طرف لاقوال الاخر من حيث اتفاقها أو اختلافها مع أصول الدين المتمثلة في القواعد اليقينية الورود القطعية الدلالة ، فإن اتفقت معها كان القبول ، وإن اختلفت كان الرفض .وهو الموقف الحقيقى لائمه المذهب الحنبلى من التصوف، فالإمام أحمد بن حنبل مثلا يعترض على كثير من سلوكيات الصوفيه فى عصره،لكن فى ذات الوقت ينقل عنه وصف الصوفيه باوصاف ايجابيه، حيث نجد في الجزء الثاني من طبقات الحنابلة للقاضي محمد بن أبي يعلي مقدمة الشيخ أبي محمد بن تميم النبلي في عقيدة الإمام أحمد بن حنبل (قد سئل مرة عن المريد فقال أن يكون مع الله كما يريد وأن يترك كل ما يريد لما يريد... وكان يعظم الصوفية ويكرمهم وقال وقد سئل عنهم وقيل له يجلسون في المساجد فقال: العلم أجلسهم). و نقل إبراهيم القلانسي أن أحمد قال عن الصوفية :لا أعلم أقواما أفضل منهم، قيل : إنهم يستمعون ويتواجدون، قال : دعوهم يفرحوا مع الله ساعة (الفروع لإبن مفلح المقدسي الحنبلي ج3ص152دار إحياء التراث العربي ونقلها عنه البهوتي كشاف القناع) وهناك الكثير من النصوص التى توضح ان الموقف الحقيقى لابن تيميه من التصوف ليس الرفض المطلق بل الموقف النقدى التقويمى ، حيث يقول (ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنزع فيه تنازع الناس في طريقهم؛ فطائفة ذمت " الصوفية والتصوف " . وقالوا : إنهم مبتدعون، خارجون عن السنة، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام .وطائفة غلت فيهم، وادعوا أنهم أفضل الخلق، وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم .و " الصواب " أنهم مجتهدون في طاعة اللّه، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة اللّه، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب .ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاص لربه .وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة؛ ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم ... فَهَذَا أَصْلُ التَّصَوُّفِ . ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَشَعَّبَ وَتَنَوَّعَ وَصَارَتْ الصُّوفِيَّةُ " ثَلاثَةَ أَصْنَافٍ :1 - صُوفِيَّةُ الْحَقَائِقِ 2 - وَصُوفِيَّةُ الأَرْزَاقِ 3 - وَصُوفِيَّةُ الرَّسْمِ .
فَأَمَّا " صُوفِيَّةُ الْحَقَائِقِ " : فَهُمْ الَّذِينَ وَصَفْنَاهُمْ . وَأَمَّا " صُوفِيَّةُ الأَرْزَاقِ " فَهُمْ الَّذِينَ وُقِفَتْ عَلَيْهِمْ الْوُقُوفُ . كالخوانك فَلا يُشْتَرَطُ فِي هَؤُلاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْحَقَائِقِ... وَأَمَّا " صُوفِيَّةُ الرَّسْمِ " فَهُمْ الْمُقْتَصِرُونَ عَلَى النِّسْبَةِ فَهَمُّهُمْ فِي اللِّبَاسِ وَالآدَابِ الْوَضْعِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَؤُلاءِ فِي الصُّوفِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي يَقْتَصِرُ عَلَى زِيِّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَهْلِ الْجِهَادِ وَنَوْعٌ مَا مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ بِحَيْثُ يَظُنُّ الْجَاهِلُ حَقِيقَةَ أَمْرِهِ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ .) (مجموع الفتاوى :14/176). ويقول ( وأنت تجد كثيراً من المتفقهة، إذا رأى المتصوفة والمتعبدة لا يراهم شيئاً ولا يعدهم إلا جهالاً ضلالاً، ولا يعتقد في طريقهم من العلم والهدى شيئاً، وترى كثيراً من المتصوفة، والمتفقرة لا يرى الشريعة ولا العلم شيئاً، بل يرى المتمسك بها منقطعاً عن الله وأنه ليس عند أهلها مما ينفع عند الله شيئاً.وإنما الصواب: أن ما جاء به الكتاب والسنة، من هذا وهذا: حق، وما خالف الكتاب والسنة من هذا وهذا: باطل)( اقتضاء الصراط المستقيم 3 19 ) ،وبناء على هذا الموقف يصف ابن تيمية كثير من شيوخ التصوف بشيوخ الإسلام وأئمة هدي(أنهمْ مشائخ الإسلام وأئمة الهدى الَّذيْن جعلَ اللّهُ تعالَى لهم لسْان صدق في الأمةِ،مثْلَ سعْيد بنُ المسيبِ، والحسْن البصريِّ، وعمرْ بنُ عبد العزيز، ومالْك بنُ أنسْ، والأوزاعي، وإبراهيْم بنْ أدهم، وسفْيان الثوري،والفضيّل بنُ عياض، ومعروف الكرّخْي، والشافعي،وأبي سليْمان، وأحمد بنَ حنبل،وبشرُ الحافي، وعبد اللّهِ بنُ المبارك، وشقيّق البلّخِي، ومن لا يحصَّى كثرة.إلى مثْلَ المتأخرينَ: مثْلَ الجنيد بن محمد القواريري، وسهَلْ بنُ عبد اللّهِ التسْتري، وعمرُ بنُ عثمان المكي، ومن بعدهم ـإلى أبي طالبَ المكي إلى مثْل الشيْخ عبد القادرِ الكيلاني، والشّيْخ عدّي، والشيْخ أبي البيْان، والشيخ أبي مدين، والشيخ عقيل، والشيخ أبي الوفاء، والشيخ رسلان، والشيخ عبد الرحيم، والشيخ عبد الله اليونيني، والشيخ القرشي، وأمثال هؤلاء المشايخ الذين كانوا بالحجْازِ والشّام والعرْاق، ومصْر والمغرْب وخرّاسْان، من الأوليْنِ والآخريْنِ).( مجموع الفتاوي:ج2 ص452) كما أنه الموقف الحقيقي لابن القيم الذي يقول "(فاعلم إن في لسان القوم من الاستعارات وإطلاق العالم وإرادة الخاص وإطلاق اللفظ وإرادة إشارته دون حقيقة معناه ما ليس على لسان أحد من الطوائف غيرهم ولهذا يقولون "نحن أصحاب عبارة" و"الإشارة لنا والعبارة لغيرنا" وقد يطلقون العبارة التي يطلقها الملحد ويريدون بها معنى لا فساد فيه وصار هذا سبباً لفتنة طائفتين: طائفة تعلقوا عليهم بظاهر عباراتهم فبدعوهم وظلموهم. والطائفة الثانية حجبوا بما رأوه من محاسن القوم وصفاء قلوبهم وصحة عزائهم وحسن معاملتهم عن رؤية شطحاتهم ونقصانها فسحبوا عليها زيل المحاسن وأجروا حكم القبول وهؤلاء أيضاً معتدون مفرطون.والطائفة الثالثة: وهم أهل العدل والإنصاف الذين أعطوا كل ذي حق حقه وأنزلوا كل ذي منزلة منزلته فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول ولا للمعلول السقيم بحكم الصحيح بل قبلوا ما يقبل وردوا ما يرد)(مدارج السالكين، ج3). وبناء على هذا الموقف يورد ابن القيم تعريفاُ ايجابيا للتصوف فيقول (... والتصوف زاوية من زوايا السلوك الحقيقي وتزكية النفس وتهذيبها لتسعد لسيرها إلى صحبة الرفيق الأعلى، ومحبة فإن المرء مع من أحب). كما يورد تعريفاً آخراً فيقول "والدين كله خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد في الدين وكذلك التصوف قال الكتبي: التصوف هو الخلق فمن زاد في الخلق فقد زاد عليك في التصوف). كما ان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رغم ما هو معروف من حمله على كثير من عقائد وسلوكيات الصوفية ، فان بعض النصوص المنقولة عنه تتضمن إشارات إلى جوانب ايجابيه عند الصوفية ، ففي القسم الثالث من مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب جزء (فتاوى ومسائل) قام بجمعها الشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم ومحمد عبد الرازق الدويسي والصفحة رقم (31) المسألة الخامسة "اعلم أرشدك الله – أن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى الذي هو العلم النافع ودين الحق الذي العمل الصالح إذا كان من ينسب إلى الدين: منهم من يتعانى بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء ومنهم من يتعانى بالعبادة طلب الآخرة كالصوفية. وبعث الله بنبيه بهذا الدين الجامع للنوعين) ( عبد الحفيظ بن عبد الحق المكي، موقف أئمة الحركة السلفية من التصوف والتصوف، دار لسلام القاهرة، ط 1988م، ص15). وفي القسم الثاني من مؤلفاته (الفقه) المجلد الثاني ص (4) في رسالة (أربع قواعد تدور الأحكام عليها) يقول " اعلم رحمك الله إن أربع هذه الكلمات يدور عليها الدين سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير أو في علم الأصول أو في علم أعمال القلوب الذي يسمى علم السلوك..." وفي (لحق المصنفات) "هذه مسألة" صفحة (124) قال " فنفس محبته أصل عبادته والشرك فيها أصل الشرك في عبادته ولهذا كان مشايخ الصوفية العارفون يوصون كثيراً بمتابعة العلم قال بعضهم "ما ترك أحد شيئاً من السنة إلا لكبره في نفسه". واتساقا مع الموقف الحقيقى لائمه المذهب الحنبلى من التصوف ، والقائم على الموقف النقدى (التقويمى)، وليس الموقف الرفض المطلق ، فانه ينقل انتماء بعض ائمه المذهب الحنبلى التصوف او تاثرهم به، فمن من انتمى منهم الى التصوف الشيخ عبد القادر الجيلاني البغدادي(ت561 هـ) ، والفقيه هبة الله بن حبيش البغدادي(ت563 هـ)، وعثمان بن مرزوق المصري(ت564 هـ) ،والفقيه جاكير محمد بن دشم الكردي(ت590 هـ)، والفقيه عمر بن مسعود الفراس البغدادي(ت608 هـ، والمقرئ عفيف الدين بن دلف البغدادي(ت637 هـ) ،و الحافظ محمد بن أبي الحسن اليونيني(ت658 هـ) ،و أبو القاسم بن يوسف الحواري(ت663 هـ) و الفقيه احمد بن الشيخ العماد المقدسي )ت688 هـ) ،والمؤرخ قطب الدين موسى بن الصوفي محمد اليونيني (ت726 ه) .ومن من تاثر بالتصوف الواعظ سعد الله بن نصر الدجاجي البغدادي (ت564 ه) ،والأديب يحيّ بن يوسف الصرصري البغدادي الضرير (ت656 ه) ،و الطبيب أبو اسحق بن أحمد الرقي الدمشقي (ت703 ه)، والمؤرخ عبد الرزاق بن الفوّطي البغدادي (ت723 هـ) (الدكتور خالد كبير علال ، الحركة العلمية الحنبلية و أثرها في المشرق الإسلامي ،رسالة الدكتوراه) . النقد الذاتى:ويتضمن الموقف النقدى النقد الذاتى الذى يتضمن تصحيح كل مذهب لمفاهيمه لقوله تعالى ( وما أبرّئ نفسي أنّ النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربّي )(يوسف: 53) وقوله صلى الله عليه وسلم( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا )،وتطبيقا لهذا النقد الذاتى نجد من ائمه التصوف من دعا الى وجوب تصحبح مفاهيم التصوف والتمييز بين اهل التصوف ومدعى التصوف ورد فى كتاب اللمع( وكل من ترسم برسوم التصوف ولم يحكم اساسه ثلاثة اشياء فهو مخدوع ولو مشى فى الهواء ونطق بالحكمة او وقع له قبول عند العامة والخاصة-اجتناب جميع المحارم- اداء جميع الفرائض-ترك الدنيا لاهلها قليلها وكثيرها الا ما لابد للمؤمن منه)،كما ورد فى كتاب الانوار للشعرانى ( وقد ادركنا بحمد الله جملة من اشياخ الطريق كانوا على قدم عظيم من العبادة والنسك وكان للطريق حرمة وهيبة ،فلما ذهبوا زالت حرمة الطريق واهلها وصار الناس يسخرون باحدهم ويقولون لبعضهم – مادريتم ماجرى؟ فلان الاخر عمل شيخا !- كأنهم لايسلمون له مايدعيه لما هو عليه من محبة الدنيا).كما نجد تصريح كثير من أئمة الصوفية برفضهم للكثير من المفاهيم التى تتعارض مع الاسلام كمفاهيم وحدة الوجود والحلول والاتحاد ، يقول الشعراني( ولعمري إِذا كان عُبَّاد الأوثان لم يتجرؤوا على أن يجعلوا آلهتهم عين الله؛ بل قالوا: ما نعبدهم إِلا ليقربونا إِلى الله زلفى، فكيف يُظَن بأولياء الله تعالى أنهم يدَّعون الاتحاد بالحق على حدٌّ ما تتعقله العقول الضعيفة؟! هذا كالمحال في حقهم رضي الله تعالى عنهم، إِذ ما مِن وليٌّ إِلا وهو يعلم أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق، وأنها خارجة عن جميع معلومات الخلائق، لأن الله بكل شيء محيط)، ويقول أبو حامد الغزالي( وأما القسم الرابع وهو الاتحاد فذلك أيضا أظهر بطلانا لأن قول القائل إن العبد صار هو الرب كلام متناقض في نفسه، بل ينبغي أن ينزه الرب سبحانه وتعالى عن أن يجري اللسان في حقه بأمثال هذه المحالات...فالاتحاد بين شيئين مطلقا محال...فأصل الاتحاد إذا باطل... وأما القسم الخامس وهو الحلول فذلك يتصور أن يقال إن الرب تبارك وتعالى حل في العبد أو العبد حل في الرب، تعالى رب الأرباب عن قول الظالمين) . ويقول جلال الدين السيوطي (... فإِذن أصل الاتحاد باطل محال، مردود شرعاً وعقلاً وعرفاً بإِجماع الأنبياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين، وليس هذا مذهب الصوفية، وإِنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله تعالى، فشابهوا بهذا القولِ النصارى الذين قالوا في عيسى : اتَّحَد ناسوتُهُ بلاهوتِهِ. وأما مَنْ بالعناية، فإِنهم لم يعتقدوا اتحاداً ولا حلولاً، وإِن وقع منهم لفظ الاتحاد فإِنما يريدون به محو أنفسهم، وإِثبات الحق سبحانه).وتطبيقا لهذا النقد الذاتى نجد ايضا تقربركثير من ائمه التصوف السنى وجوب تقييد التصوف اعتقادا وسلوكا بالكتاب والسنه.يقول القشيري) وبناء هذا الأمر وملاكه على حفظ آداب الشريعة وصون اليد عن امتدادها إلى الحرام والشبهة ، وحفظ الحواس عن المحظورات ، وعدّ الأنفاس مع الله تعالى عن الغفلات )( الرسالةالقشيريه ص : 63 ط دار الخير)،ويقول التستري ( أصولنا سبعة أشياء : التمسك بكتاب الله تعالى ، والاقتداء سنة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ، وأكل الحلال ، وكف الأذى ، واجتناب الآثام ، والتوبة ، وأداء الحقوق )..ويقول أبو سليمان الداراني ( ربما تقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين : الكتاب والسنة)..ويقول سري السقطي( المتصوّف اسم لثلاث معاني : هو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ، ولا يتكلّم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنة ، ولا تحمله الكرامات على هتك أسرار محارم الله تعالى) . المذاهب من الاجمال الى التفضيل: ومن هذه الموجهات تجاوزمذاهب الاجمال الى مذهب التفضيل ، والتفصيل لغه التبيين( لسان العرب)، أما اصطلاحا فان مذهب التفصيل هو المذهب الذى لا يضع حكما كليا(سواء بالمنع بدرجاته من كراهة"ما يثاب تاركه و لا يعاقب فاعله" ،اوتحريم" ما يثاب تاركه ويعاقب فاعله"، او الإيجاب(الطلب)بدرجاته من اباحه"ما لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه"،او ندب(السنه)"ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه" ،اووجوب(الفرض)" ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه") ينطبق على جميع كيفيات الفعل المعين ، بل يميز بين هذه الكيفيات المختلفة لهذا الفعل، وبالتالي يميز فى الحكم علي هذه الكيفيات. هذا التمييز بين الكيفيات المختلفه للفعل يكون على المستويين : المستوى الاعتقادى ممثلا فى خضوع الفعل او عدم خضوعه لضابط ذاتى هومدى اتفاق النيه مع مقاصد الشرع فى الفعل المعين" انما الاعمال بالنيات"، يقول ابن تيميه (والفعل الواحد في الظاهر يثاب الإنسان على فعله مع النية الصالحة ويعاقب على فعله مع النية الفاسدة)( مجموع الفتاوى2138): )،والمستوى العملى ممثلا فى خضوع الفعل او عدم خضوعه لضابط موضوعى هو مدى اتفاق السلوك مع ضوابط الشرع . وطبقا للتعريف السابق فان مذهب التفصيل يقابل مذهب الاجمال، وهو المذهب الذى يضع حكما كليا (سواء بالمنع بدرجاته من كراهة وتحريم او الإيجاب بدرجاته من اباحه وندب ووجوب)على الفعل المعين على وجه الإجمال ، دون تمييز بين كيفياته المختلفة. الاحتفال بالمولد النبوي : ومثال لمذاهب الاجمال ومذهب التفصيل فى مساله حكم الاحتفال بالمولد النبوى ، فقد اختلف السلفيون والصوفيه فى الحكم على الاحتفال بالمولد النبوي إلى مذهبين الاول: هو مذهب المنع،وهو مذهب اغلب السلفيين، ويستند إلى العديد من الادله أهمها: أن الاحتفال بالمولد النبوي حادث بعد القرون الثلاثة، فهو بدعه، وإن الاحتفال بالمولد النبوى يشتمل على أمور محرّمة في الغالب. أما الثاني فهو مذهب الاباحه،وهو مذهب اغلب الصوفيه، وهو يرد على الدليل الاول بالقول بأن الاحتفال بالمولد النبوي حادث ، فهو بدعة ولكنها بدعه حسنه ، فهو يميز بين البدعة السيئة والبدعة الحسنه ،استنادا إلى قول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عن صلاه التراويح جماعه(نعم البدعة هي)، وقول الشافعي ( البدعة بدعتان : بدعة محمودة وبدعة مذمومة فما وافق السنة فهو محمود ، وما خالف السنة فهو مذموم )، وهناك من أنصار هذا المذهب من يرى ان الاحتفال بالمولد النبوي هو سنه حسنه. كما يرد على الدليل الثاني بالقول بانه اذا اشتمل الاحتفال بالمولد على أمور محرمه فيجب تحريمها، لكن التحريم متعلق بتلك الأمور لا بأصل الاحتفال بالمولد . كما يورد العديد من الادله التى تفيد جواز الاحتفال بالمولد النبوى منها انه إظهار لمحبه الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقيره،وهما الأمران اللذان أشارت لهم كثير من النصوص،و ان الرسول( صلى الله عليه وسلم ) كان يعظم يوم مولده كما جاء في حديث أبي قتادة و أن المولد أمر استحسنه العلماء والمسلمون في جميع البلاد . أما مذهب التفصيل:فيميز بين كيفيتين أساسيتين للاحتفال بالمولد النبوي:الكيفية الأولى: تقوم على المستوى الاعتقادى على اعتبار ان الاحتفال بالمولد النبوي هو من اصول الدين، وان الاحتفال بالمولد النبوي على سبيل الخصوص،كما تقوم على المستوى السلوكي على كثير من الأفعال التي وردت النصوص بمنعها كراهة او تحريما.وهذه الكيفية طبقا لمستوها الاعتقادى هي بدعه و طبقا لمستواها السلوكي تتضمن ما هو محرم او مكروه. أما الكيفية الثانية: فتقوم على المستوى الاعتقادى على اعتبار ان الاحتفال بالمولد النبوي ليس من الدين وأصوله،فهو من العرف الذى يمكن ان يعتبر مصدرا من مصادر الشريعة التبعية فى حال تقيده بالقواعد الامره الناهية التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة، وان الاحتفال بالمولد النبوي على سبيل التذكير لا الخصوص،كما تقوم على المستوى السلوكي على رفض الأفعال التي وردت النصوص بمنعها كراهة او تحريما. وهذه الكيفية طبقا لمستوها الاعتقادى ليست بدعه وطبقا لمستواها السلوكي لا تتضمن ما هو محرم او مكروه، وهنا يمكن الاستئناس بقول ابن تيميه انه قد يثاب بعض الناس على فعل المولد لحسن نيتهم وقصدهم - رغم تقريره ان ان الاحتفال بالمولد بدعه - حيث يقول (قَدْ يُثاب بعض الناس على فعل المولد، وكذلك مَا يُحْدِثُهُ بَعضُ النَّاس إمَّا مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما مَحبَّةً للنبي صلّى الله عليه وسلّم وتعظيمًا له، والله قد يُثيبهم على هذه المحبَّة والاجتهاد، لاَ عَلَى البِدَعِ...) ( اقتضاء الصراط المستقيم في ص 297 ) .. كما ان مذهب التفصيل يميز بين الحكم الشرعي على الكيفية الأولى للاحتفال بالمولد النبوي(باعتبارها بدعه)،وبين الحكم على مخالف هذا الحكم فلا يكفر المخالف او يبيح دمه استنادا إلى قاعدة العذر بالجهل ودليلها في السنة قوله(صلى الله عليه وسلم)(اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون). حكم بناء الاضرحه وزيارتها: ومثال اخراختلف العلماء فى مساله حكم بناء وزياره الاضرحه ،الى مذهبين :الاول مذهب المنع، ويقول بتحريم بناء الاضرحه والمقامات او زيارتها، استنادا الى العديد من الادله، ومن اهم القائلين به الامام ابن القيم الذى ينقل ادله المنع فى قوله( ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد ، وإيقاد السرج عليها ، واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعليه ، ونهى عن الصلاة إلى القبور ، ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيداً ، ولعن زوارات القبور . وكان هديه أن لا تهان القبور وتوطأ ، وأن لا يجلس عليها ، ويتكأ عليها، ولا تعظم بحيث تتخذ مساجد فيصلى عندها وإليها ، وتتخذ أعيادا وأوثانا ) ( زاد المعاد 1/524)، وبناءا على هذا يقرر ان بناء الاضرحه بدعه وان سنته صلى الله عليه سلم تسويتها( ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر ، ولا بحجر ولبن ، ولا تشييدها ، ولا تطيينها ، ولا بناء القباب عليها ، فكل هذا بدعة مكروهة ، مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم. وقد بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن ، ألا يدع تمثالاً إلا طمسه ، ولا قبراً مشرفاً إلا سواه" رواه مسلم. فسنته صلى الله عليه وسلم تسوية هذه القبور المشرفة كلها)، ثم يقرر وجوب هدم المسجد الذى يبنى على قبر ( وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر ، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد. نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر) (زاد المعاد 3/572) ، ثم ينكر الإمام أبن القيم الذين يزورون القبور ويسألون الأموات الحوائج ، أو يتوسلون بهم في قضائها ، أو يدعون الله عند قبورهم ( وكان هديه صلى الله عليه وسلم أن يقول ويفعل عند زيارتها ، من جنس ما يقوله عند الصلاة على الميت ، من الدعاء والترحم ، والاستغفار. فأبى المشركون إلا دعاء الميت والإشراك به ، والإقسام على الله به ، وسؤاله الحوائج والاستعانة به ، والتوجه إليه ، بعكس هديه صلى الله عليه وسلم ، فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت ، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم ، وإلى الميت ، وهم ثلاثة أقسام : إما أن يدعو الميت ، أو يدعو به ، أو عنده ، ويرون الدعاء عنده أوجب وأولى من الدعاء في المساجد ، ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، تبين له الفرق بين الأمرين وبالله التوفيق.) [زاد المعاد: 1/526] .اما المذهب الثانى فيقول بجواز بناء الاضرحه واتخاذ المساجد قبور، وزيارتها استنادا إلى العديد من الادله منها: قوله تعالى { قال الذين غلبوا على أمرهم لنتَّخذن عليهم مسجداً }[الكهف:21]، وتقرير الرسول (صلى الله عليه وسلم) صاحبه أبا جندل (رضي الله تعالى عنه)على بناء مسجد على قبر أبي بصير (رضي الله تعالى عنه) فيما يرويه عبد الرزَّاق وغيره عن الحديبية، وما روى من أن جماعة من المرسلين والأنبياء عليهم السلام مدفونون في المسجد الحرام، ما بين زمزم والمقام، منهم نوح وهود وصالح وشعيب وإسماعيل عليهم السلام، حيث ينقل الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن قول ابن عباس( في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما: قبر إسماعيل، وقبر شعيب عليهما السلام) ، و اتخاذ المسجد على قبر الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك بعلمه وندبه إليه؛ فقد ثبت في الصحاح قوله: { ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنَّة }،ودفن أبو بكر الصديق وعمر بين الخطاب (رضي الله عنهما) مع الرسول (صلى الله عليه وسلم). كما يرى هذا المذهب ان المقصود من الحديث " لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "[متفق عليه]. انهم اتخذوا قبور أنبيائهم قِبلة يسجدون إليها وهو محظور باتفاق.و ان النهي عن رفع القبور، نحو خبر" لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته "[مسلم وغيره] مقصود به لا تدع قبراً مشرفاً من قبور المشركين ومن في معناهم إلا سويته (حكم بناء الأضرحة واتخاذ المساجد على القبور،الشيخ طارق السعدي).اما مذهب التفصيل فيميز بين كيفتين لبناء المساجد على القبور وزيارتها، الأولى: البناء بقصد عباده صاحب القبراو تقديسه،والزياره التى تتضمن ماهو محرم من دعاء وتوسل يتضمن الشرك بالله، وحكمها المنع، والثانيه البناء بدون قصد عباده صاحب القبراو تقديسه، والزياره بقصد الدعاء والترحم والاستغفاروما وافق السنه وحكمها الاباحه.مع ملاحظه ان الانكار على الكيفيه الاولى يجب ان يتم طبقا للضوابط الشرعيه فى الامر بالمعروف والنهى عن منكر، من هذه الضوابط قاعده " سد الذرائع "،اى جعل حكم الفعل الذى يلزم منه الضررالمنع ، ومن ادلتها عدم هدم الرسول (صلى الله عليه وسلم) الكعبه لاعاده بناءها على قواعدها الصحيحه لان الناس كانوا حديثى العهد بالاسلام . ومنها قاعده العذر بالجهل ودليلها في السنة قوله(صلى الله عليه وسلم)(اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون). يقول ابن القيم ( أما أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول كالرافضة والقدرية ونحوهم فهؤلاء أقسام: أحدهما الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له فهذا لا يكفر ولا يفسق ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادراً على تعلم الهدى وحكمه حكم المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يغفر عنهم)( ابن القيم، الطرق الحكمية، ص174). التوسل:كما اختلف العلماء فى حكم التوسل إلى مذهبين: الاول هو المنع استنادا إلى العديد من الادله منها قوله تعالى( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) (الزمر: 3 )، والمذهب الثاني هو جواز التوسل بالأحياء والأموات من الأنبياء والصالحين استنادا إلى العديد من الادله منها قوله تعالى( أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ، وقوله صلى الله عليه ويسلم( الله الذي يحيى ويميت وهو حى لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين )( رواه الطبراني في الكبير والأوسط )، وما رواه البخاري في صحيحة من أن عمر ( رضي الله عنه ) استسقى عام الرمادة بالعباس فقال :اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون(البخاري كتاب الاستسقاء فتح ج3 ص182).أما مذهب التفصيل فيقوم على التمييز بين كيفيتين للتوسل:الأولى تقوم على التوسل الذى لا يتضمن اى شكل من أشكال الشرك ، وأشارت له النصوص كالتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته كما فى قوله تعالى(ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) (الأعراف 180 . ) ، او بالأعمال الصالحة، كما فى قوله تعالى (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ، او بدعاء من ترجى إجابته من المؤمنين كقوله تعالى( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ) ، او بذكر حال الداعي المبينة لاضطراره وحاجته كقول موسى (عليه السلام) : رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(القصص 24 )، وهذه الكيفية حكمها الاباحه.أما الكيفية الثانية فتقوم على التوسل القائم على الشرك باى شكل من أشكاله كإسناد صفات الربوبية من إحياء واماته و رزق وضرر ونفع... لغيره تعالى ، او جعل وسيط بين الله تعالى وخلقه( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى( ، او التقرب الله تعالى بعمل مخالف للكتاب والسنة ، وهذه الكيفية حكمها المنع. وهنا نستأنس بقول ابن تيميه فى تعقيبه على واقعه ان عمر(رضي الله عنه) استسقى بالعباس بن عبد المطلب، ( فاستسقوا به كما كانوا يستسقون بالنبي "صلى الله عليه وسلم" في حياته، وهو أنهم يتوسلون بدعائه وشفاعته لهم فيدعو لهم، ويدعون معه كالإمام والمأمومين من غير أن يكونوا يقسمون على الله بمخلوق، كما ليس لهم أن يقسم بعضهم على بعض بمخلوق)( اقتضاء الصراط المستقيم ، ص359 دار الحديث-القاهرة-بدون تاريخ.). المفاهيم من الإثبات و النفي المطلقين إلى الإثبات المقيد:ومن هذه الموجهات تجاوز مذهبي الإثبات المطلق او النفي المطلق للمفاهيم إلى مذهب الإثبات والنفي المقيدين.اى تقييد المفاهيم تكليفيا بالأوامر والنواهي التي مصدرها الوحي، وتكوينيا بالسنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود الشامل للكون المسخر والإنسان المستخلف. مفهوم الكرامات: ومثال لذلك كرامات الأولياء التي اثبتها أهل السنة بفرقهم المختلفة ، غير أن هناك مذهبين في إثباتها، و بالتالي تفسيرها: الاول:مذهب الإثبات المطلق:اى إثبات الكرامة دون تقييد مضمونها: أولا:تكليفيا: فالكرامة يمكن أن تحدث للشخص مع عدم التزامه بأوامر ونواهي الشريعة ،وهو رأى رفضه أهل التصوف السني،ولم يقل به إلا أهل التصوف القائم على مفاهيم الحلول والاتحاد ووحده الوجود، لأنه يلزم من هذه المفاهيم القول بسقوط التكاليف. ثانيا: تكوينيا: فالكرامة يمكن أن تتم بانقطاع اضطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود،وهو ما عبر عنه أصحاب هذا التفسير بتعريف الكرامة بأنها " خرق للعادة"، والمقصود بالعادة عند أصحاب هذا التفسير العادة المضطرة اى السنن الالهيه. غير أن هذا التفسير لا يوضح الفرق بين الكرامة والمعجزة، لذا رفضه عدد من متأخري الاشاعرة و المتصوفة منهم السبكي القائل )معاذ الله أن يتحدى نبي بكرامه تكررت على ولي، بل لا بد أن يأتي النبي بما لا يوقعه الله على يد الولي ،و إن جاز وقوعه فليس كل جائز في قضايا العقول واقعا . و لما كانت مرتبة النبي أعلى و أرفع من مرتبة الولي كان الولي ممنوعا مما يأتي به النبي على الإعجاز و التحدي ، أدبا مع النبي )( طبقات الشافعية 2/320 ). الثانى:مذهب الإثبات المقيد: اى إثبات الكرامة مع تقييد مضمونها: اولا: تكليفيا :بالتزام الأوامر والنواهي ، وقال بهذا الحنابلة والاشاعره وأهل التصوف السني يقول ابن تيميه (فأما المستقيمون من السالكين كجمهورمشائخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإِبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادر [الجيلاني]، والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين، فهم لا يسوِّغون للسالك ولو طار في الهواء، أو مشى على الماء، أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يفعل المأمور، ويدع المحظور إِلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإِجماع السلف وهذا كثير في كلامهم) ( مجموع الفتاوى (ج10. ص516ـ517). ثانيا:تكوينيا: بالتزام حتمية السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود ، وبالتالي فان الكرامة هي تكريم الله تعالى لشخص صالح ،دون انقطاع اضطراد السنن الالهيه التي تضبط حركه الوجود.يقول الاسفرائينى (إن الكرامة لا تبلغ مبلغ خرق العادة وإنما هي إجابة دعوة أو موافاة ماء في.غير موقع المياه أو ما ضاهي ذلك، وكل ما جاز معجزة لنبي لم يجز كرامة لولي)( الاسفرائينى، الموافقات، ص25.) ،وهو يقارب رأى عدد من العلماء الذين فرقوا بين الكرامة والمعجزة بان ما جاز معجزه لنبي لا يجوز كرامه لولى ، يقول الإمام النووي (قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين الذي صار إليه أهل الحق جواز انخراق العادة في حق الأولياء ... قال وصار بعض أصحابنا إلي أن ما وقع معجزة للنبي لا يجوز تقدير وقوعة كرامه لولي فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر وينقلب العصا ثعبان ويحي الموتى إلي غير ذلك من آيات الأنبياء كرامة لولي )( الإمام النووي، بستان العارفين، ص 30.)، و رفض أبو محمد بن أبي زيد المالكي الكرامة طبقا للتفسير الأول إلا بشرط حدوثها في المنام , وتبعه في هذا الراى عددا من العلماء منهم أبا الحسن علي القابسي (ت 403هـ) وأبا جعفر أحمد الداودي (402هـ). وجوز الإمام ابن حزم من أهل الظاهر الكرامة طبقا للتفسير الأول في حياة الرسول أما بعد موته صلى الله عليه وسلم فيرى انه لا سبيل إلى شيء من هذا. (ابن حزم،الأصول والفروع،دار الكتب العلمية،بيروت،1984.)، وطبقا لهذا التفسير يجوز الأخذ بالتعريف الكرامة بأنها"خرق للعادة".بشرط أن يكون المقصود بالعادة ما اعتاد عليه الناس لا العادة المضطردة، ورد في شرح العقيدة الطحاويه"فالمعجزة في اللغة كل أمر خارق للعادة ،وكذلك الكرامة في عرف ألائمه أهل العلم المتقدمين، ولكن كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما...وجماعها الأمر الخارق للعادة...وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله ،ويعلمه ماعلمه الله إياه، ويستغنى عما أغناه الله ،ويقدر على ما اقدره الله عليه من الأمور المخالفة للعادة المضطردة أو لعاده اغلب الناس ،فجميع المعجزات والكرامات لا تخرج عن هذه الأنواع )( شرح العقيدة الطحاويه ،مكتبه الدعوة الاسلاميه،القاهرة،ص 499.) مفهوم الشهود: ومثال اخرمفهوم الشهود، حيث نجد مذهبين فى اثباته: اولا:مذهب الاثبات المطلق: ويقوم على اعتبار ان الشهود هو الادراك مطلق للذات الالهيه فى الحياه الدنيا لغير الانبياء ، ويقول به اصحاب مذاهب الحلول واتحاد ووحده الوجود ، وقد رفضه علماء اهل السنه لانه يتعارض مع المعنى الشرعى للشهود الذى يقصر ادراك الذات الالهيه فى الحياه الدنيا على الانبياء(فى حاله الوحى)، وهوادراك محدود وليس مطلق، ولانه يترتب عليه القول بالحلول اوالاتحاد او الوحده بين الذات الانسانيه والذات الالهيه. ثانيا:مذهب الاثبات المقيد: ويقوم على ا نرؤيته تعالى ثابته للمؤمنين فى الاخره قال تعالى (وجوه يؤمئذ ناضره* الى ربها ناظره) ، غير انها غير ممكنه فى الحياه الدنيا لقوله تعالى(لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) وقوله تعالى لَن تَرَانِي) (سورة الأعراف:143)..وبالتالى ان المعنى الشرعى للشهود هو معرفه الله تعالى - وليس رؤيته- لان المعرفه اشمل من الرؤيه ، يقول ابن تيميه( الفرق الثاني وهو أن يشهد أن المخلوقات قائمة بالله، مدبرة بأمره، ويشهد كثرتها معدومة بوحدانية الله -سبحانه وتعالى- وأنه -سبحانه- رب المصنوعات وإلهها وخالقها ومالكها. فيكون مع اجتماع قلبه على الله إخلاصا، ومحبة وخوفا، ورجاء، واستعانة، وتوكلا على الله، وموالاة فيه، ومعاداة فيه، وأمثال ذلك، ناظرا إلى الفرق بين الخالق والمخلوق، مميزا بين هذا وهذا، يشهد تفرق المخلوقات وكثرتها مع شهادته أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه، وأنه هو الله لا إله إلا هو، وهذا هو الشهود الصحيح المستقيم. ، وذلك واجب في علم القلب، وشهادته، وذكره ومعرفته، وفي حال القلب، وعبادته، وقصده، وإرادته، ومحبته، وموالاته، وطاعته، وذلك تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، فإنها تنفي عن قلبه ألوهية ما سوى الحق، وتثبت في قلبه ألوهية الحق) (كتاب العبوديه) ،ويقول ابن القيم (ولم يهتدوا إلى الشهود الصحيح الذي يميز به صاحبه بين وجود الخالق ووجود المخلوق)(مدارج السالكين). كما يقسم هذا المذهب الشهود الشرعى عالى قسمين: اولا: صفاتى: مضمونه معرفه مادل على وجوده تعالى، وينقسم الى قسمين: ا/ تكليفى: يتمثل في معرفه الوحى من حيث انه ايات – تكليفيه- داله على الله تعالى يقول ابن القيم( القران كلام الله وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته) (ابن القيم ، مدارج السالكين، ج3، ص399). ب/ تكويني: يتمثل في معرفه عالم الشهادة و السنن الالهيه التى تضبط حركته من حيث أنه وجود محدود بالوجود المطلق لله تعالى، فهو بمثابة آيات- تكوينيه- داله على وجوده تعالى ( فالكون كما هو محل الخلق والأمر مظهر الأسماء والصفات فهو بجميعه شواهد وأدله وآيات دعا الله سبحانه عباده الى النظر فيها) (ابن القيم، مدارج السالكين، ج3، 198). والعلاقه بينهما هى علاقه الكل بالجزء ، يحده فيكمله ولكن لا يلغيه، يقول ابن القيم (وهذا البيان نوعان: بيان بالآيات المسموعة المتلوة، وبيان بالآيات المشهودة المرتبة، وكلاهما أدلة وآيات على توحيد الله وأسمائه وصفاته وكلامه). ثانيا: ذاتى: مضمونه معرفه عين وجوده تعالى، وينقسم الى قسمين: شهود محدود ((مقيد) فى الحياه الدنيا وهو مقصورعلى الانبياء ويتمثل فى الوحى . وشهود مطلق فى الحياه الاخره وهو مقصور على المؤمنين وهو ماعبر عنه أهل السنة برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة. المصطلحات من التضييق الى التوسيع: ومن هذه الموجهات انتقال من التضييق الى التوسيع فى استخدام المصطلحات، من خلال تقرير ان المصطلح المعين قد تكون له دلالات متعدده خاصه وعامه. مصطلح السلفية: مثال لذلك يقصر البعض مصطلح السلفيه على مذهب معين " المذهب الحنبلى مثلا " وهو ما يعنى الغاء لعموم دعوه القران والسنة لجميع المسلمين للاقتداء بالسلف الصالح، قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه) (التوبة:الآية100).وقال (صلى الله عليه وسلم)(خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)( رواه الإمام أحمد في مسنده والبخاري ومسلم). كما يعنى إنكار خصوبة المنهج الاسلامى(والذى تشكل السلفيه جزء منه، وليس منهج مستقل عنه) وقابليته للتطبيق على أمكنه وازمنه متعددة،و بالتالي إنتاج مذهب متعددة. ويترتب على ما سبق انه إذا كان من الممكن ان نطلق صفه السلفية على مذهب معين على وجه الخصوص، فانه لا يصح ان نقصرها عليه، بل يجوز إطلاقها على غيره من المذاهب على وجه العموم، بشرط تقيدها بضوابط المصطلح الشرعية. أهل السنة: ومثال آخر مصطلح أهل السنة ،الذى من الممكن ان نصف به مذهب معين على وجه الخصوص، لكن لا يصح ان نقصره علي هذا المذهب، بل يجوز ان نصف به غيره من المذاهب | |
|