صبرى محمد خليل خيرى
المساهمات : 112 تاريخ التسجيل : 08/05/2011
| موضوع: حقوق الإنسان فى المفهومين الليبرالي و الإسلامى الخميس أكتوبر 06, 2011 8:57 pm | |
| حقوق الإنسان فى المفهومين الليبرالي و الإسلامى د.صبرى محمد خليل/ استاذ الفلسفه بجامعه الخرطوم أولاً: المفهوم الليبرالي لحقوق الإنسان: تستند الفلسفة الليبرالية فى تصورها لحقوق الانسان إلى القانون الطبيعي، وهي فكرة ذات جذور في الفلسفة الإغريقية،والمراد بكونه طبيعي أنه ذو فعالية تلقائية لا تتوقف على إرادة الإنسان، ومضمون هذا القانون الطبيعى ( أن مصلحة المجتمع ككل تتحقق من خلال سعي كل فرد لتحقيق مصلحته الخاصة). ومن هذا القانون استمد كل فرد حقوقاً سابقة على وجود المجتمع والدولة خالدة ومقدسة لا يجوز لنظام أن يمسها أسميت ( بحقوق الإنسان) يقول إيستمان (إن للفرد حقوقاً أسبق وأسمى من حقوق الدولة )(إيستمان – أسس القانون الدستوري) ويقول ( أن الحقوق الفردية ذات سمة مشتركة ، هي أنها تحد من حقوق الدولة ، ولكنها لا تفرض على الدولة أي عمل إيجابي ، ولا تطلب منها أية خدمة للمواطنين)(اسس القانون الدستورى، صـ 239 ،عن الترجمة العربية للدكتور عصمت سيف الدولة ). يترتب على هذا أن المفهوم الليبرالي لحقوق الإنسان يتميز بالآتي: أولاً: يقوم على أن مصدر هذه الحقوق هو الإنسان نفسه، أي أنها حقوق طبيعية،استمدها الإنسان من القانون الطبيعي المستقر في ضميره. ثانياً: إن هذا الحقوق تنصب على الفرد، فالمقصود بالإنسان فى الليبراليه الفرد لا المجتمع ،فهي حقوق فردية مقدسة سابقة على وجود المجتمع، وبالتالي يجب التزام الدولة ( ممثل المجتمع) باحترام هذه الحقوق. ورغم الدور الكبير لليبراليه فى ارساء دعائم حقوق الانسان ، الا ان هناك اوجه قصور فى التصورالليبرالي لحقوق الإنسان ، اشار اليها عدد كبير من المفكرين والفلاسفه ، اول هذه الاوجه أن الليبراليه جعلت مصدر تلك الحقوق هو الإنسان نفسه، بموجب القانون الطبيعي المستقر في ضمير، فى حين أن واقع الممارسة أثبت فشل هذا القانون الطبيعي ،أي أن ترك كل واحد يفعل ما يشاء يؤدي إلى أن كثيراً من الناس لا يستطيعون أن يفعلوا ما يشاءون، أي يصبح للناس في ظل الليبرالية حقوقاً متساوية ،ولكنها تبقي بالنسبة للأغلبية حقوقاً شكلية غير ذات مضمون فعلي . ثانى هذه الاوجه هو أن هذه الحقوق في التصور الليبرالي قد انصبت على الفرد، ففكرة أن هذه الحقوق السابقة على وجود المجتمع تعرضت للانتقاد من كثير من المفكرين الغربيين منهم أميل دوركهايم ، جوزيف دي ميستير ، جورج دافي ، دي بولاند ، هانس كيلس. كما يترتب على هذه الفكرة عند التزام الدولة (ممثل المجتمع) بالالتزام بهذه الحقوق ، وهو ما يعني أن لا تتدخل الدولة لإقرار هذه الحقوق، إذ أن مجرد قبول مفكري الليبرالية مبدأ تدخل الدولة هو إقرار بسقوط القانون الطبيعي ، وهنا نشير إلى ما قرره مؤتمر دراسة حقوق الإنسان في الدول النامية عام 1964م في كابول (أن المفهوم المجرد لحقوق الإنسان يمثل على المستوى الطبقي ترفاً قد تستطيع الدول المتقدمة تحقيقه، أما الدول النامية فهي في حاجة إلى دولة راعية مسئولة عن تحقيق لرعاياها تحقيق التنمية الكافية ليكون الإنسان إنساناً). ثانياً: المفهوم الإسلامي لحقوق الإنسان: أول ما يقابلنا في المفهوم الإسلامي لحقوق الإنسان أن مصدر هذه الحقوق هو الله تعالى، إذ أن الحق هو صفة من صفات ربوبيته تعالى ﴿ فذلك الله ربكم الحق﴾ ،هذه الصفة لها ظهور تكويني ﴿ ما خلق الله ذلك إلا بالحق﴾ ، ويتمثل في أن الله تعالى جعل للإنسان حقوقاً بحكم تكوينه، فالتصور الإسلامي هنا يلتقي مع التصور الليبرالي في ذلك، ولكنه يختلف عنه في أن هذه الحقوق التكوينية مصدرها الله تعالى، لا حقوق مستقلة بذاتها عنه تعالى.كما أن لهذه الصفة ظهور تكليفي﴿ وقل الله يهدي للحق . ﴾،ويتمثل في الحقوق الأساسية التي قررها تعالى للإنسان في شرعه. والنقطة الثانية في المفهوم الإسلامي هي أن الله تعالى استخلف الإنسان في الأرض، قال تعالى ﴿ واذ قال ربك للملائكه انى جاعل فى الارض خليفه) ،وهنا نجد ان المفهوم الإسلامي يمتاز عن الليبرالي بأنه جعل مصدر هذه الحقوق هو الله تعالى لا الإنسان، لذا نجد في الفكر الإسلامي مصطلح (حق الله) بمعني أن مصدره هو الله تعالى تأكيداً لالزاميته يقول ألشاطبي ( وإن كل حكم شرعي فيه حق الله من جهة وجوب العمل به وفيه حق للعبد من جهة أنه ما شرع إلا المصلحة)(.الشاطبي ، الاعتصام ، ص 52 ).
الحقوق الأصلية التي قررها الإسلام للإنسان: وبناءا عل ما سبق فإن تحديد الحقوق الأصلية للانسان يتم تكليفيا بالرجوع إلى السنن الالهيه التى تضبط حركة الإنسان فرداً وجماعة، وتكليفيا بالرحوع الى قيم وضوابط الدين،و الشورى هي سنة إلهية تحكم حركة الفرد والجماعة، و لها ثلاث خطوات:معرفة المشاكل التي يطرحها الواقع المعين،التعبير عن الرأي بما هو حل لهذه المشاكل،العمل الجماعي لتنفيذ الحل الذي رآه الجمهور في الواقع، وأن حياة الإنسان ( فرد أو جماعة) سابقة على حركته .وبناءا على هذا فإن الحقوق الأصلية التي قررها الإسلام للإنسان تنقسم إلى أربعة حقوق هي: (ا)حق الحياة (ب)حق التعبير (ج)حق المعرفة (د)حق العمل أولاً: حق الحياة:اول الحقوق التي قررها الإسلام للإنسان حق الحياة و الحفاظ عليها ، لهذا عد القرآن القتل جريمة ليس ضد الفرد فقط بل الإنسانية كلها. ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍفِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ ( المائدة : 32)،وشرع القصص تأكيداً لهذا الحق وحماية له . " ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب"، بل قرر الإسلام هذا الحق للإنسان قبل أن يولد، فحرم الإجهاض يقول الغزالي " الإجهاض جناية على وجود حاصل ، فأول مراتب الوجود النطفة في الرحم فتختلط بماء الرجل فإفسادها جناية" (الغزالي ، إحياء علوم الدين ، ج2 – ص 65)،ويتصل بحق الحياة حق توفير الدولة الإسلامية الحاجات الضرورية للناس من ملبس ومأكل ومسكن وحق تكوين الأسرة ،يقول الإمام ابن حزم الظاهري " وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السلطان ذلك إن لم تقم الزكوات بهم ولا في سائر أموال المسلمين لهم فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه ومن اللباس للشتاء والصيف و بمثل ذلك بمسكن يقيهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة"( أبن حزم ، المحلي ، ج1- ص 156). ويتصل بحق الحياة تحريم الإسلام تعذيب الإنسان لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم)" أن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" ( رواه مسلم) ، وتحريم الضرب بغير الحق أي العقوبة المقدرة شرعاً" ظهر المسلم حمى إلا بحقه" ( الطبراني)، وتحريم التخويف " لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً ( أبو داود). ثانياً: حق المعرفة: ثاني الحقوق التي قررها الإسلام للإنسان هو حق المعرفة، لذا قرر الإسلام إلزامية التعليم الاساسى التي نستدل عليها بقول الرسول (صلى الله عليه وسلم)( طلب العلم فريضة على كل مسلم)، وكذلك مجانية التعليم الاساسى والتي تستدل عليها بقوله تعالى على لسان صاحب الشرع (ص) " قال لا أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على الله" ، يقول الامام الغزالي " على المعلم أن يقتدي بصاحب الشرع فلا يطلب على إفادته العلم أجراً ولا يقصد به جزاءاً ولا شكراً"، كما روى أبن داود عن أبي شيبه انه قال لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) : يا رسول الله رجل أهدى لي قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليس بمال عليها في سبيل الله فقال: أن كنت تحب أن تكون طوقاً من النار فأقبلها. ثالثاً: حق التعبير:وثالث الحقوق التي أقرها الإسلام للإنسان هو حق التعبير عن الرأي ،بما هو حل نظري للمشاكل الاجتماعية. رابعاً: حق العمل: وآخر الحقوق هو حق العمل ، لذا حث القرآن على العمل ﴿ .... فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ ( الملك : 15) ،وجعل العمل أساساً للجزاء ﴿ أن ليس للإنسان إلا ما سعي وأن سعيه سوف يري ثم يجزاه الجزاء الأوفى ﴾، وعظمت السنة العمل( ما أكل طعاماً قط خير من عمل يده وأن نبي الله داود يأكل من عمل يده)( رواه البخاري)،ولحماية هذا الحق سن الإسلام حق الحصول على الأجر المناسب للعمل المناسب لقوله تعالى في الحديث القدسي ( ثلاثة أما خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته... رجل أعطي بي ثم غدر ،رجل باع حراً فأكل ثمنه ،رجل استأجر فاستوفي منه العمل ولم يعطه حقه) ( رواه البخاري). كما قرر الإسلام وجوب اختيار الشخص المؤهل للقيام بالعمل المعين وعدم جواز تنحيته وتوليه غيره لهوى أو رشوة أو قرابة ، قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) ( من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من أرضى الله منه فقد خان الله ورسوله) ، وقال (صلى الله عليه وسلم)( من أولى من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحد محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم). وهذه الحقوق الأصلية التي قررها الإسلام، أما الحقوق الفرعية التي تجدد زماناً ومكاناً ،فقد ترك الإسلام للمسلمين الاجتهاد فيها، وأباح لهم الأخذ بإسهامات غيرهم من الأمم ، بشرط أن لا تناقض أصلاً في الشرع. بين ما ينغى ان يكون والممكن: أن ما سبق من حديث هو عما ينبغي أن يكون في مجال حقوق الإنسان فى الاسلام ،أما ما هو كائنفى المجتمعات المسلمه فهو أما : انتهاك حقوق الإنسان بأشكالها المختلفة( مع التفاوت في مدى هذا الانتهاك). أو الأخذ بالمفهوم الليبرالي لحقوق الإنسان الذي يؤكد على الحقوق السياسية ،ويتجاهل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ويؤكد على حقوق للفرد ويتجاهل حقوق المجتمع، فضلا عن دعوته لحقوق تتناقض مع أصول الشرع. واما ما هو ممكن فيأخذ أشكال عديدة منها: كإنشاء مؤسسات مستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان، تفعيل الاجتهاد في حقوق الإنسان، الأخذ بإسهامات المجتمعات الأخرى في هذا المجال مادامت لا تناقض أصلا من أصول الدين، اتخاذ موقف نقدي من المفهوم الليبرالي لحقوق الإنسان يأخذ ما يوافق أصول الدين ويرفض ما يخالفها...
- للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان http://drsabrikhalil.wordpress.com) ) | |
|