موضوع: الشريعة الاسلاميه و مصادر التشريع السبت سبتمبر 24, 2011 11:20 pm
الشريعة الاسلاميه و مصادر التشريع د.صبري محمد خليل/ أستاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم sabri.khalil@hotmail.com تمهيد: تعددت المواقف من قضيه تحديد طبيعة العلاقة بين الشريعة الاسلاميه ومصادر التشريع، ويرجع هذا التعدد إلى سببين أساسيين هما: أولا: الخلط بين الدلالات المتعددة لمصطلح تشريع: التشريع لغة: التشريع لغة اشتقاق من مادة (شَ رَ عَ): شَرَعَ الوارِدُ يَشْرَعُ شَرْعاً وشُروعاً: تناول الماءَ بفِيه، وشَرَعَتِ الدوابُّ في الماء تَشْرَعُ شَرْعاً وشُرُوعاً:أَي دخلت، والشَّريعةُ والشِّراعُ والمَشْرَعةُ: المواضعُ التي يُنْحَدر إِلى الماء منها. والتَّشْريعُ: إيرادُ الإِبِلِ شَريعَةً لا يُحْتاجُ مَعَها إلى نَزْعٍ بالعَلَقِ، ولا سَقْيٍ في الحَوْضِ. وفي المثل: أَهْوَنُ السَّقْيِ التَّشْريعُ، وذلك لأَن مُورِدَ الإِبل إِذا وَرَدَ بها الشريعة لم يَتْعَبْ في إِسْقاءِ الماء لها كما يتعب إِذا كان الماء بعيداً (لسان العرب والقاموس المحيط) التشريع اصطلاحا: أما التشريع اصطلاحا فله دلالتين: الدلالة القانونية(التقنين): هو حق إصدار القوانين بما هي مجموعه من القواعد العامة المجردة الملزمة التي تضبط سلوك الناس في المجتمع، والسلطة التشريعية هي احد أجهزه الدولة، التي يحق لها إصدار هذه القوانين.والمقصود بمصطلح ( إصدار) تبنى الدولة لقوانين معينه لتصبح ملزمه ، بصرف النظر عن مصدر هذه القوانين وطبيعتها . و أصل هذه الدلالة ان السلطة هي ضرورة اجتماعيه ، والدولة أخر أشكالها ( فمن قبلها وجد الوالد في الاسره، والشيخ في القبيلة، والأمير او الكاهن... )، والدولة هي ذات النظام القانوني في المجتمع ، والنظام القانوني هو مجموعه من القواعد الامره الناهية المكملة المفسرة،التي تتدرج في قوتها الملزمة من اللوائح إلى القوانين إلى الدستور (وهو القانون الاساسى للدولة، وهو قاعدة الشرعية فيها ومصدرها ومقياسها أيضا)، و تتضمن هذه القواعد جزاء على مخالفتها، وتقوم في المجتمع سلطه لها حق إيقاع الجزاء على مخالفتها، وضمان نفاذ القانون ولو بالقوة. والدولة هي التي تصدر القانون وتطبقه وتنفذه،بواسطة أجهزه مختصة في الإصدار( السلطة التشريعية)والتطبيق(السلطة القضائية) والتنفيذ (السلطة التنفبذيه). وبالتالي لا يمكن ان توجد دوله (إسلاميه اوغير إسلاميه) بدون تشريع وسلطه تشريعيه. التشريع في الفقه الاسلامى: وفى الفقه الاسلامى نجد العديد من القواعد والمفاهيم القانونية الاسلاميه التي تعبر عن هذه الدلالة لمصطلح التشريع، من هذه القواعد : "للسلطان أن يحدث من الأقضية بقدر ما يحدث من مشكلات" و "أمر الإمام يرفع الخلاف" و "أمر الإمام نافذ " ، فكل هذه القواعد تفيد حق الدولة في تبنى قواعد فقهيه – قانونيه– معينه لتصبح ملزمه للناس .وكذلك مفهوم التعزير في الفقه الجنائي الاسلامى ، وهو العقوبة التي يقررها الحاكم للجرائم التي لا حد فيها ولا كفارة ولا قصاص،فهذا المفهوم يفيد حق الدولة في تبنى عقوبات معينه ، كجزاء على مخالفات معينه للنظام القانوني، لتصبح ملزمه اى من حق الدولة إيقاعها على من يخالف هذا النظام ، رغم أنها لم ترد في الشرع . الدلالة الدينية (الشرع): والتشريع طبقا لهذه الدلالة هو حق وضع القواعد - الحدود التي لا يباح تجاوزها، والتي اسماها الفقهاء والأصوليون الأصول ، وهوما ينفرد به الله تعالى . لذا اسند القران فعل ( شرع) إلى الله تعالى : ﴿ شرع لكم من الدين ما وصينا بة نوح والذي أوحينا إليك ﴾.﴿ واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ﴾ الأكثرون من المفسرين قالوا( ليس المراد من الأرباب أنهم اعتقدوا أنهم آلهة العالم بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم).وقد ميز الفقه الاسلامى بين التشريع على الوجه السابق ذكره ، والاجتهاد وهو سلطة وضع القواعد القانونية التي يباح للناس تجاوزها بإلغائها أو تعديلها،والتي أطلق عليها الفقهاء والأصوليون اسم الفروع،وهذه القواعد محلها الفقه في الإسلام. وليس النظام القانوني الاسلامى بدعا في النظم القانونية، في القول بالقواعد -الحدود ، إذ لا يمكن ان يوجد مجتمع بدون نظام قانوني، و لا يوجد نظام قانوني بغير حدود، تسمى في علم القانون قواعد النظام العام، لأنها الحل الوحيد للتناقض الدائم بين وحده المجتمع وتعدد الناس فيه ، وهى مجموعه من القواعد لها خصائص قواعد النظام الأخرى(عامه مجرده ملزمه)، إنما تتميز بأنها غير مباح مخالفتها او الاتفاق على مخالفتها، وبالتالي تصلح مميزا للنظام عن غيره ،ويحمل اى نظام اسم مصدره الفكري او العقائدي( نظام ليبرالي او ماركسي او اسلامى...) بمعنى ان تلك المذاهب او العقائد هي مصدر تلك القواعد – الحدود، ومثالها الحرية الفردية التي منحها للإنسان" القانون الطبيعي" في الليبرالية، أو "الملكية الجماعية" لوسائل الإنتاج في الماركسية... إذا وجه الخلاف بين النظام القانوني الاسلامى وغيره من النظم القانونية ، ليس في إنكار او إقرار هذه القواعد - الحدود ، بل في مصدرها ، إذ ان مصدرها فى النظام القانوني اسلامى هو الإسلام. مصطلح الشريعة: إذا التشريع طبقا لهذه الدلالة هو ما يقابل مصطلح الشرع او الشريعة. وقد شاع في العصر الحديث استخدام مصطلح الشريعة مقصورا على دلاله النظام القانوني الاسلامى، وقصره البعض على العقوبات الواردة في النصوص ، بينما دلالته الاصليه اشمل من ذلك ، فهي تشمل العبادات والمعاملات بنوعيها: المعاملات الفردية من أحوال شخصية ومعاملات الفرد من بيع وأجاره ورهن وكفالة... والمعاملات التي تنظم العلاقة بين الأفراد في الجماعة، وتشمل القواعد الكلية التي تستند إليها النظم الاقتصادية السياسية القانونية... ورد فى لسان العرب(والشريعةُ والشِّرْعةُ: ما سنَّ الله من الدِّين وأَمَر به كالصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر أَعمال البرِّ مشتقٌّ من شاطئ البحر؛ عن كراع؛ ومنه قوله تعالى: ثم جعلناك على شريعةٍ من الأَمْر، وقوله تعالى: لكلٍّ جعلنا منكم شِرْعةً ومِنهاجا) ،ويقول ابن تيميه(والا فالشريعة جامعة لكل ولاية وعمل فيه صلاح الدين والدنيا، والشريعة إنما هي كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه سلف الأمة في العقائد والأحوال والعبادات والأعمال والسياسات والأحكام والولايات والعطيات...) .إذا فهذه الدلالة لمصطلح تشريع تتعلق بمصدر القواعد القانونية وطبيعتها. العلاقة بين الدلالتين الدينية والقانونية: والفكر القانوني الاسلامى يجعل العلاقة بين الدلالتين الدينية والقانونبه لمصطلح تشريع علاقة تحديد وتكامل، ، بمعنى ان الفكر القانوني الاسلامى لا ينفى حق الدولة في إصدار قواعد قانونيه، لكن يحدد مصدر هذه القواعد وطبيعتها من خلال تحديده لهذه القواعد القانونية بالقواعد – الحدود التي ينفرد بحق وضعها الله تعالى، يقول الهضيبي (اعتقاد عامة الناس أن الأولي الأمر حق إصدار أو وضع التنظيمات التي تنظم جوانب من حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بناء علي نصوص من القران الكريم والسنة الشريفة واعتقاد ليس فيه شبهة الكفر أو الشرك بل هو اعتقاد في أصله حق)(دعاة لا قضاة ص 73 ). إذا الفكر القانوني الاسلامى يرفض جعل العلاقة بين دلالتي مصطلح تشريع علاقة إلغاء وتناقض، كما في الفكر القانوني الليبرالي ومذهبه في العلمانية . او علاقة خلط كما في بعض المذاهب الاسلاميه. ويرجع هذا الخلط إلى أسباب عديد أهمها : الدلالة القانونية للمصطلح ومشكله الترجمة: إذا كان مضمون الدلالة القانونية لمصطلح تشريع له ما يقابله في الفقه الاسلامى، فان استخدام مصطلح تشريع للاشاره إلى هذا المضمون حديث في اللغة العربية، إذ وضع اللفظ بما يقابل المصطلح الانجليزي (Legislation ) وترجمته : تشريع، شرائع، قوانين (المورد القريب، منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، بدون تاريخ)، وهذا الاستخدام اللغوي هو الذى مهد الطرق أمام حدوث خلط بين الدلالتين الدينية والقانونية لمصطلح التشريع ، وكان بالأحرى استخدام مصطلح التقنين، لأنه الأقرب إلى الصحة،بالاضافه إلى انه لا يلزم منه هذا الخلط السابق ذكره. الدلالة الدينية للمصطلح والمفهوم التشبيهى :كما رتب البعض علي مقولة الشارع هو الله تعالى - وهى مضمون الدلالة الدينية لمصطلح تشريع - نفي حق البشر في وضع القواعد القانونية إطلاقا،فضلا عن نفى حق الدولة في إصدار قواعد قانونيه . وذالك استنادا إلى ما فهموه من مقولات لابو الأعلى المودودي وسيد قطب في تفسير مفهوم الحاكميه الالهيه، مثل قول المودودى( ... إن محور نظرية الإسلام والسياسية تتمثل في نزع جميع سلطات الأمر والتشريع من أيدي البشر..لان ذلك أمر مختص بالله وحدة) وقول قطب ( هذه الجاهلية تقوم علي أساس القانونية الاعتداء علي سلطان الله في الأرض وعلي اخص خصائص الإلوهية .. وهي بالحاكمية .. أنها تسند الحاكمية إلى البشر ، فتجعل بعضهم لبعض أربابا، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية ولكن في صورة ادعاء. حق وضع التصورات والقيم والشرائع والأنظمة والأوضاع بمنزل عن لم يأذن الله)،وقد أشار الهضيبى إلى هولاء بقوله(وقد توهم البعض أن قائل تلك المقولة -ألحاكميه لله – يري استحالة أن يأذن الله تعالي للناس أن يضعوا لأنفسهم بعض التنظيمات أو التشريعات التي تنظم جانبا من شئون حياتهم)(دعاه لا قضاه). وهو مفهوم تشبيهي يتناقض مع المفهوم التنزيهي لكون الشارع هو الله بمعني أن له تعالي وحدة حق وضع القواعد – الأصول، المطلقة عن قيود المكان والزمان ،والتي لا تخضع للتغير والتطور مكانا وزمانا(التشريع)، وانه تعالي متنزه عن المكان والزمان، واستخلف الجماعة المسلمة في إظهار شرعه في الأرض، بان أوكل إليها حق وضع القواعد – الفروع ، المحدودة بالمكان والزمان وبالتالي تخضع للتغير والتطور مكانا وزمانا (الاجتهاد) ،والتي هي إظهار للقواعد – الأصول في زمان معين ومكان معين . التشريع والاستخلاف العام: والمقصود باستخلاف الجماعة في إظهار شرعه تعالى معنيين: الأول: أن الاجتهاد حق الجماعة ابتداء ، إذ لكل مسلم الحق في الاجتهاد مادامت شروطه متوافرة فيه، ولا ينفرد به فرد أو فئة دون الجماعة ، ووجود فئة من الفقهاء في المجتمع هو علي وجه التخصيص لا الانفراد ، ففي الإسلام علماء بالدين وليس به رجال دين. الثاني: أن السلطة في الدولة الإسلامية نائب عن الجماعة المسلمة في إظهار شرعه تعالي ،وذلك بان ينوب عنها في ضمان نفاذ القواعد - الأصول التي هي وضع الشارع تعالي، و القواعد – الفرع التي هي اجتهاد ارتضته الجماعة أو أغلبيتها ، فللجماعة المسلمة حق تعين ومراقبة وعزل هذه السلطة لضمان قيامها بهذا الأمر وعدم الانفراد به دونها ، و أدلة ذلك ما ورد عن أبو بكر(رضي الله عنه) " إلا فراعوني فان استقمت فأعينوني وان زغت فقوموني " وما ورد عن عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) " إن رأيتم في اعوجاجا فقوموني. ويقول أبو الأعلى المودودىكما لا يعتبر أي من أحكام الإسلام مما جاء به عالم من علماء المسلمين ، ولا كل مسالة استخراجها إمام من أئمتهم بقياس أو اجتهاد علي أساس الاستحسان القانون في حدها ذاتها ... كما لا تعتبر إي حكم من أحكام الله تعالي و رسوله أو قياس أو اجتهاد أو استحسان لم ينعقد علية إجماع أهل الحل والعقد في بلد من بلاد المسلمين أو اختارته أغلبيتهم قانون لذلك البلد. ...) (المودودي ،القانون وطرق تنفيذه ، مؤسسه الرسالة، ص 43 ). ثانيا: المواقف المتعددة من علاقة الدين بالدولة: كما يرجع تعددت المواقف من العلاقة بين الشريعة الاسلاميه و مصادر التشريع إلى تعدد المواقف من مشكله علاقة الدين بالدولة، والتي يمكن إجمالها في ثلاثة مواقف: الخلط : الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع: ويقوم الموقف الاول على الخلط بين الدين والدولة، ومن ممثليه في الفكر الغربي الثيوقراطيه والتي تعنى لغويا الحكم الالهى، ومن مذاهبها نظريتي الحكم بالحق الالهى والعناية الالهيه. وفى الفكر الإسلامي نجد ان هناك مذهب يجعل العلاقة بين الدولة( ومن ثم التشريع طبقا لدلالته القانونية، اى حق الدولة في إصدار القواعد القانونية بواسطة احد أجهزتها المختصة). والدين (ومن ثم التشريع طبقا لدلالته الدينية ، اى حق وضع القواعد - الحدود التي لا يباح تجاوزها، والذي ينفرد به الله تعالى) علاقة خلط. ويعبر هذا الموقف عن ذاته بطرحه لصيغه معينه للعلاقة بين الشريعة الاسلاميه ومصادر التشريع هي : ان الشريعة المصدر الوحيد للتشريع ، واعتبار ان إسناد التشريع لغيره تعالى هو شرك. دون الانتباه إلى ان المقصود بالتشريع في هذه الصيغة حق وضع القواعد - الحدود التي لا يباح تجاوزها، والذي ينفرد به الله تعالى ، وإسناده لسواه هو شرك " الدلالة الدينية لمصطلح التشريع". بينما المقصود بالتشريع في دستور الدولة حق الدولة في إصدار القواعد القانونية بواسطة احد أجهزته " الدلالة القانونية لمصطلح التشريع"،وهو ما لا يمكن ان توجد دوله بدونه ، وفى نجد في الفقه الاسلامى ما يقابله كما سبق ذكره. فضلا عن هذه الصيغة ذاتها هي شكل من أشكال الشرك، لأنها تخلط بين الشرع" "احد فسمى الدين بالاضافه إلى العقيدة " كوضع الهي ، وكل من التشريع طبقا لدلالته القانونية "احد أنشطه الدولة المخول لأحد أجهزتها " والاجتهاد " حق وضع القواعد- الفروع "باعتبارهما وضع انسانى.فضلا عن مساواتها بين مصادر النظام القانوني الاسلامى الاصليه(الكتاب والسنة)، ومصادره التبعية(الإجماع والقياس والاستحسان والاستصحاب وشرع من قبلنا والمصالح ألمرسله...)، يقول الشافعي( ولا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما سواهما تبع لهما )( جماع العلم-11). علما بان مصطلح الشريعة استعمل تاريخيا أيضا بمعنى النظام القانوني الاسلامى بأصوله التشريعية وفروعه الاجتهادية ومصادره الاصليه والتبعية. الفصل : الشريعة ليست مصدر للتشريع : ويقوم الموقف الثاني على فصل الدين عن الدولة، واهم ممثل له العلمانية التي كانت في الأصل جزء من الديانة المسيحية، تحول إلي تيار فكرى معين ظهر في مرحله معينه من مراحل التاريخ الاوربى،تحول إلي ثوره ضد تدخل الكنيسة في الحكم، انتهى إلي أقامه نظام علماني في موقفه من الدين ،فردى في موقفه من المجتمع، راسمالى في موقفه من الاقتصاد،ديمقراطي ليبرالي في موقفه من الدولة، كان محصله عوامل ثقافية ونفسيه وتاريخية وحضارية... سادت أوربا نحو سبعه قرون. وأضافه إلى أن هذا الحل لا يعبر عن الحل الإسلامي للمشكلة، فان جوهر الدعوة إلى العلمانية في المجتمع الاسلاميه هو أن تستبدل القيم والآداب والقواعد الاسلاميه (التي تشكل الهيكل الحضاري لهذه المجتمعات) بالقيم والآداب والقواعد الغربية لتحقيق قدر من الشعور المستقر بالانتماء إلى الحضارة الغربية (التغريب ) ،وتطبيق هذا الموقف في قضيه العلاقة بين الشريعة ومصادر التشريع هو الفصل بين التشريع طبقا لدلالته القانونية( اى حق الدولة في إصدار القواعد القانونية بواسطة احد أجهزتها المختصة). و التشريع طبقا لدلالته الدينية ( اى حق وضع القواعد - الحدود التي لا يباح تجاوزها، والذي ينفرد به الله تعالى )،هذا الموقف يعبر عن ذاته بطرحه لصيغ معينه للعلاقة بين الشريعة الاسلاميه ومصادر التشريع ، وفى الأصل فان صيغه نفى كون الشريعة مصدر للتشريع هي الصيغة التي تتسق معه، لكن هذه الصيغة يمكن طرحها في المجتمعات الغربية العلمانية، لكن يصعب طرحها في المجتمعات المسلمة، لذا يطرح هذا الموقف صيغ أخرى اقل حده منها: الشريعة مصدر من مصادر التشريع. الوحدة والتمييز: القواعد الاصوليه للشريعة هي المصدر الاساسى للتشريع: ويقوم الموقف الثالث على أن علاقة الدين بالدولة - وبالتالي بين الدلالتين الدينية والقانونبه لمصطلح تشريع - هي علاقة وحدة (لا خلط كما في الثيوقراطيه)، وتمييز (لا فصل كما في العلمانية). فهي علاقة وحده(لا خلط) لان السلطة(بأجهزتها الثلاثة التشريعية والقضائية والتنفيذية) في الإسلام مقيده بالقواعد -الحدود التي لا يباح تجاوزها.كما أنها علاقة تمييز( لا فصل كما في الثيوقراطيه )لان الإسلام ميز بين النوع السابق من القواعد القانونية والتي اسماها تشريعا" طبقا لدلالته الدينية"، وجعل حق وضعها لله تعالى وحده استنادا إلي مفهوم التوحيد .والقواعد القانونية التي تخضع للتطور والتغير زمانا ومكانا،والتي اسماها اجتهادا ،ومحلها الفقه في الإسلام ،والتي جعل سلطة وضعها للجماعة استنادا إلي مفهوم الاستخلاف. وطبقا لهذا الموقف فان الدلالة الدينية لمصطلح التشريع لا تلغى دلالته القانونبه ولكن تحددها ، بمعنى ان هذا الموقف لا ينفى حق الدولة في إصدار قواعد قانونيه، لكن يحدد مصدر هذه القواعد وطبيعتها من خلال تحديده لهذه القواعد القانونية بالقواعد – الحدود التي ينفرد بحق وضعها الله تعالى.ويعبر هذا الموقف عن ذاته بصيغ أهمها ان الشريعة هي المصدر الرئيسي – الاساسى للتشريع. باعتبار ان المصدر الرئيسي او الاساسى هو الذى يحدد المصادر الفرعية . غير ان الصيغ الأدق في التعبير عن هذا الموقف هي القائمة على اعتبار ان القواعد الاصوليه للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع،لأنها تميز بين القواعد – الأصول، والتي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة،و مصادر النظام القانوني الاسلامى الاصليه (الكتاب والسنة)، والقواعد- الفروع ،والتي مصدرها النصوص الظنية الورود والدلالة و مصادر النظام القانوني الاسلامى التبعية. وهذا التمييز بين النوعين من القواعد قرره العديد من علماء الإسلام يقول ابن تيميه (ان الله بعث محمدا بجوامع الكلم، فيتكلم بالكلمة الجامعة العامة التي هي قاعدة عامه تتناول أنواعا كثيرة ،وتلك الأنواع تتناول أحيانا جزئيات، فبهذا الوجه تكون النصوص محيطه بأحكام أفعال العباد )(الفتاوى، المجلد الاول، ص 410)، ويقول ابن القيم(الأحكام على نوعان نوع لا يتغير عن حاله واحده هو عليها... والثاني ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة زمانا ومكانا وحالا)(أعلام الموقعين)،ولان مصطلح الشريعة استعمل تاريخيا أيضا بمعنى النظام القانوني الاسلامى بأصوله التشريعية وفروعه الاجتهادية ومصادره الاصليه والتبعية يقول ابن تيميه عن مفهوم الشريعة( ثم هي مستعملة في كلام الناس على ثلاثة أنحاء: شرع مُنَزَّل، وهو: ما شرعه الله ورسوله. وشرع مُتَأَوَّل، وهو: ما ساغ فيه الاجتهاد. وشرع مُبَدَّل، وهو: ما كان من الكذب والفجور الذي يفعله المبطلون بظاهر من الشرع، أو البدع، أو الضلال الذي يضيفه / الضالون إلى الشرع. والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم). وهى الصيغة التي تقارب الصيغة التي وردت في وثيقة الأزهر حول مستقبل مصر بتاريخ 20/6/2011 (دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة . ويحدد إطار الحكم، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب؛ بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا في تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يعرف فى الثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت على الناس، وعانت منها البشرية في بعض مراحل التاريخ ، بل ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية). - للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان http://drsabrikhalil.wordpress.com) ).