صبرى محمد خليل خيرى
المساهمات : 112 تاريخ التسجيل : 08/05/2011
| موضوع: التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى: قراءه نقدية إسلاميه الثلاثاء يوليو 31, 2012 12:53 am | |
| التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى: قراءه نقدية إسلاميه د.صبري محمد خليل/ أستاذ بجامعه الخرطوم(تخصص فلسفه القيم الاسلاميه) sabri.khalil@hotmail.com تمهيد:هذه الدراسة هي قراءه نقدية إسلاميه لمذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى، والذي مضمونه محاوله تفسير مفهوم الاقتصاد الاسلامى،استنادا إلى مفاهيم وقواعد وقيم النظام الاقتصادي الراسمالى، والذي يمثل التطبيق الاقتصادي للفلسفة الليبرالية، وهى قراءه تقوم على أن النظام الاقتصادي الراسمالى يتناقض مع الفكرالاقتصادى الاسلامى ، سواء على مستوى أصوله النصية الثابتة ، او فروعه الاجتهادية المتغيرة، تناقضا لا يقبل التوفيق أو التلفيق او التزويق،وان الموقف السليم من هذا النظام الاقتصادي ليس القبول المطلق _ كما فى مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى_ بل هو الموقف النقدي. الاقتصاد الاسلامى: ان تقديم تعريف صحيح لمفهوم الاقتصاد الاسلامى لا يتحقق إلا من مفهوم خلال التمييز(وليس الفصل) بين كل من: الفلسفة الاقتصادية اى المفاهيم الكلية المجردة التي تسبق النشاط الاقتصادي، وعلم الاقتصاد اى الظواهر الاقتصادية الجزئية العنيه والقوانين الموضوعية التي تضبط حركتها، والمذاهب الاقتصادية اى النظم والإشكال الفنية الاقتصادية. أولا: الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه : أما الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه فقائمه على مبادئ كليه منها: ا/إسناد ملكية المال لله تعالى وحده: تنطلق الفلسفة الاقتصادية الإسلامية من إسناد ملكية كل شئ لله تعالى وحده، فالملكية طبقا لها هي صفة من صفات ربوبية الله تعالى﴿ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (المائدة: 17)، ﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾(النور: 33)، وعن علي أبن أبي طالب (فانتم عباد الله والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية لا فضل فيه لأحد على احد)، والمقصود بالملكية هنا حق التصرف المطلق بالمال ،وهو ما يقارب مفهوم الملكية الخاصة في الراسماليه كما سنوضح لاحقا، وبناءا على هذا فان الفلسفة الاقتصادية الإسلامية ترفض إسناد الملكية (حق التصرف المطلق بالمال) إلى غيره تعالى سواء كان فرد أو فئة او حتى الشعب كله ، لان ذلك الإسناد هو شكل من أشكال الشرك" الاعتقاد او العملي" في الربوبية ،يقول تعالى﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ (إلا سراء: 111)، وهو شكل من أشكال الاستكبار،إذ الاستكبار هو إسناد صفة من صفات ربوبيته تعالى إلى غيره. وقد عرض القرآن النماذج له:.ففرعون اسند ملكية مصادر الثروة في مصر إلى نفسه ﴿أو ليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي﴾ وقارون بدلا من إسناد ملكية المال “الذي أتاه الله" إلى مالكه الأصلي (الله تعالى) أسنده إلى نفسه وعلمه فكان جزاءه الخسف( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) ب/استخلاف الجماعة في الانتفاع بالمال :وإذا كانت الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه قائمه أولا على ان ملكية المال(حق التصرف المطلق فيه) لله وحده ، فإنها قائمه ثانيا على ان الجماعة هي المستخلفة عنه تعالى أصلا في الانتفاع به، على الوجه الذي يحدده ملك المال تعالى المنزه عن الانتفاع به ، أما الفرد فنائب وكيل عنها فى الانتفاع به، يقول تعالى: ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ الحديد: 7). في تفسير ألنسفي “يعني إن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها، وإنما مولكم إياها للاستمتاع به وجعلكم خلفاء في التصرف فيها، فليست هي بأموالكم في الحقيقة، وما انتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب، فأنفقوا منها في حقوق الله تعالى وليكن عليكم إلا نفاق منها كما يهون على الرجل إلا نفاق من مال غيره إذا أذن له فيه –أو جعلكم مستخلفين عمن كان قبلكم” ... اما الموقف من الفلسفات الاقتصادية الأخرى فهو على اخذ وقبول ما لا يناقض المبادئ السابقة، ورد ورفض ما يناقضها. ثانيا: المذاهب الاقتصادية الاسلاميه : أما المذاهب الاقتصادية الاسلاميه فهي النظم والإشكال الفنية الاقتصادية،الملائمة لتحقيق هذه المبادئ الكلية في زمان ومكان معين ، وهى خاضعة لاجتهاد المسلمين. وبالتالي يمكن للمسلمين الاستفادة من إسهامات المذاهب والنظم الاقتصادية الأخرى بشرط اتفاقها مع هذه المبادئ الكلية و واقع المجتمعات المسلمة. مذهب الاستخلاف: وهنا نستند الى مذهب اسلامى اقتصادي اسلامى يتسق مع المبادئ الكلية للفلسفة الاقتصادية الاسلاميه ويقوم على ثلاثة أصول هي: الأصل الأول: حق الجماعة فى الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية: إذا كان الله تعالى مالك المال قد استخلف الجماعة في الانتفاع به، فان للجماعة حق الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية دون الفرد، وأدلة ذلك قال (صلى الله عليه وسلم)( الناس شركاء في ثلاثة الماء و الكلاء والنار (روه احمد وأبو داود) ،وفي حديث أخر الملح وفي رواية “المسلمون شركاء في ثلاث الماء والكلاء والنار ومنعه حرام” (روه أبن ماجة وأبن حنبل)،كما إن الشرع جاء بالحمى وهو (الأرض المحمية من الانتفاع الفردي لتكون لانتفاع المسلمين جميعا)،ومن المتفق عليه أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حمى أرض بالمدينة يقال لها النقيع لترعى فيها خيل المسلمين(رواه احمد)( أبو عبيدة، الأموال، ص 298، الماوردي ، الا حكام السلطانية ، ص 164، أبو يعلي ، الأحكام ، 206)، وحمى عمر أيضا أرضا بالربدة وجعلها مرعى لجميع المسلمين(أبو عبيدة، الأموال، ص299 ) وقال لهني عاملة عليها “يا هني اضمم جناحك عن الناس، واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة، وادخل بالضريمة الغنيمة، ودعني من نعم ابن عفان ونعم أبن عوف ،فإنهما إذا هلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع، وان هذا المسكين إن هلكت ماشيته جاءني يصرخ “يا أمير المؤمنين افتاركهم أنا لا أبا لك” رواه البخاري) الأصل الثانيً: الدولة نائب عن الجماعة: أن انتفاع الجماعة بمصادر الثروة الرئيسية يكون بان تتولى الدولة إدارة إنتاج هذه المصادر باعتبارها وكيل للجماعة ونائب عنها. قال تعالى ﴿يأيها الذين امنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾دلت الآية على وجوب طاعة أولي الأمر ونستخلص من هذا الأمر إن يكون لأولياء الأمر (إي الدولة) إدارة الإنتاج بما يحقق مصلحة الجماعة. قال (صلى الله عليه وسلم) “من ترك مالا فلورثته ومن ترك دين أو ضياعا فليأتني فانا مولاه اقروا إن شئتم قوله تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) * وتطبيقا لذلك ما ورد عن الحسن البصري “أربعة من إلا سلام إلى السلطان: الحكم و الفئ والجمعة والجهاد”. *وعن عمر بن الخطاب “لو أن عناقا ( عنزا ) ذهب بشاطئ العراق لأخذ بها عمر يوم القيامة”. * و أورد الماوردي “والذي يلزم سلطان الأمة من أمور سبعة أشياء: حفظ دين الأمة من عدو للدين أو باعث نفس أو مال، عمارة البلدان باعتماد مصالحها غير تحريف في أخذه وعطائه، معاملة المظالم والأحكام بالتسوية بين أهلها واعتماد الشدة في فصلها، إقامة الحدود على مستحقيها من غير تجاوز فيها ولا تقصير عنها اختيار خلفائه في الأمور على أن يكونوا من أهل الكفاءة فيه و الأمانة عليها ". الاصل الثالث: حق الفرد المشروط فى الانتفاع بمصادر الثروه الثانوية: أما ما دون مصادر الثروة الرئيسية فان للجماعة أن تتركه حقا ينتفع به الفرد (القطاع الخاص) بشرط أن لا يتعارض ذلك مع مصلحتها كما سبق بيانه. ثالثا: الموقف من علم الاقتصاد: أما معيار أخذ أو رفض إسهامات المجتمعات الأخرى في مجال علم الاقتصاد التجريبي، فهو التجربة والاختبار العلميين، فما تحقق من صحته وجب قبوله، وما تحقق من خطأه وجب رفضه طبقاً لهذا المعيار. الاقتصاد الاسلامى بين الممكن وما ينبغى ان يكون:إن ما سبق من حديث ينصب على الاقتصاد الاسلامى كما ينبغي أن يكون، أما ما هو كائن في واقع المجتمعات المسلمة فهو اقتصاد متخلف، تابع ( العولمة في شكلها الليبرالي)، يكرس للظلم الاجتماعي ، اى واقع قائم على ثنائيه الاستضعاف- الاستكبار الاقتصادي ،و الانتقال مما هو كائن إلي ما ينبغي أن يكون اى التقدم الاقتصادي والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية( الاستخلاف الاقتصادي) لا يتم إلا من خلال ما هو ممكن، وما هو ممكن يأخذ أشكال عديدة منها: التأكيد على دور الدولة في الاقتصاد مع العمل على إصلاح القطاع العام و تطهيره من البيروقراطية والفساد،وتوجيه القطاع الخاص والاستثمار الاجنبى نحو المجالات الانتاجيه التي تحقق الفائدة للمجتمع ،وليس نحو المجالات الاستهلاكية على حساب المجتمع، وتفعيل مؤسسات الضمان الاجتماعي،وتجاوز موقفي القبول او الرفض المطلقين من الخصخصة" الاليه الاساسيه للعولمة في شكلها الليبرالي"،الى موقف نقدى قائم على(عدم خصخصة المؤسسات الإستراتيجية والسلع الضرورية،و ضمان شفافية وديمقراطية الخصخصة للقطاعات والسلع الأخرى بالرجوع إلي الشعب ورقابه الدولة)،وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني( النقابات) باعتبارها احد ضمانات تحقيق الغايات السابقة الموقف من الليبرالية: والنظام الاقتصادي الراسمالى هو التطبيق الاقتصادي للفلسفة الليبرالية،ولمصطلح الليبرالية دلالتين: دلالة عامة مشتركة: اى الحرية كمفهوم مجرد تشترك في فهمه كل الفلسفات والمناهج، ودلالة خاصة منفردة اى ما اكتسبه مفهوم الحرية من معنى كمحصله لتطبيقه في واقع اجتماعي معين زمانا ومكانا(واقع المجتمعات الغربية منذ القرن السابع عشر حتى اليوم)، وهو المعنى الذي تنفرد بفهمه فلسفه ومنهج معينين(هما الليبرالية كفلسفة ومنهج)، وبالتالي فان الليبرالية طبقا لدلالتها الخاصة المفردة تعبير عن أسلوب حياه شامل(علماني في موقفه من الدين، فردى في موقفه من المجتمع، راسمالى في موقفه من الاقتصاد، ديمقراطي ليبرالي في موقفه من الدولة) كان محصله عوامل( ثقافية ونفسيه وتاريخية وحضارية) سادت أوربا نحو سبعه قرون.ومذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى يقوم على القبول المطلق لأحد أركان الليبرالية ، فهو موقف يستند إلى التغريب ، الذي مضمونه أن تستبدل القيم والآداب والقواعد التي جاء بها الإسلام،بالقواعد والآداب والقيم الاوربيه ،التي كانت محصله تطور هذه المجتمعات لمده سبعه قرون، وهو ما يؤدى إلى قدر من الشعور بالانتماء إلى الحضارة الغربية وهو القاعدة النفسية اللازمة لنمو الولاء للنظام الليبرالي( الفردي،الراسمالى،العلماني...)، وبالتالى فهو موقف غير اسلامى . والموقف الاسلامى الصحيح من الليبرالية وأركانها يتجاوز موقفي الرفض المطلق والمقبول المطلق الى الموقف النقدي يقوم على اخذ وقبول ما لا يناقض أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة، ورد ورفض ما يناقضها. الاقتصاد الاسلامى بين الراسماليه والاشتراكية: ويقوم مذهب التفسير االراسمالى للاقتصاد الاسلامى على القبول المطلق للنظام الاقتصادي الراسمالى ، والرفض المطلق للنظام الاقتصادي الاشتراكي، فهو هنا يتصف بازدواجية المعايير، لانه يقيم النظم الاقتصادية الأخرى طبقا لمعياريين، بينما التقييم السليم لهذه النظم الاقتصادية يجب ان يستند الى معيار واحد،هو الموقف النقدي القائم على رفض السلبيات وقبول الايجابيات، والموقف النقدي من الاشتراكية يقوم - بالاضافه الى ما سبق - على التمييز بين الدلالات المتعددة للمصطلح ، فهناك دلالته العامة المشتركة ، والمتمثلة فى التحرر من القهر الاقتصادي والتخطيط الاقتصادي والملكية العامة لوسائل الإنتاج الاساسيه... وهى دلاله لا تتناقض مع الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه القائمة على أن الجماعة هي المستخلفة عن الله تعالى مالك المال في الانتفاع به، وان الفرد والحاكم هما نواب ووكلاء عن الجماعة في إدارته على الوجه الذي يحقق مصلحتها... .كما للمصطلح دلالته الخاصة المنفردة : اى ما اكتسبه المصطلح من معنى كمحصله لتطبيقه في واقع المجتمعات الأخرى والذي تنفرد بفهمه فلسفات ومناهج معرفه معينه، والموقف الصحيح من هذه الدلالة يقوم على اخذ وقبول ما لا يناقض أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة، ورد ورفض ما يناقضهما. هذا الموقف النقدي من النظم الاقتصادية أخرى يتصل بمفهوم الوسطية فى المنهج الاسلامى، وتطبيقه فى الفكر الاقتصادي الاسلامى ، والذي مضمونه ان الاقتصاد الاسلامى باستناده الى فلسفه اجتماعيه توازن بين الفرد والجماعة (من خلال التأكيد علي ا ن الجماعة بالنسبة للفرد كالكل بالنسبة للجزء تحده فتكمله وتغنيه ولكن لا تلغيه كما في قوله صلى الله عليه وسلم"مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ،إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى") ، هو وسط بين الفلسفات والنظم الاقتصادية الفردية( التي تؤكد على الفرد لتلغى الجماعة)،كالفلسفة الاقتصادية الليبرالية والنظام الاقتصادي الراسمالى كتطبيق اقتصادي لها، والفلسفات والنظم ألاقتصاديه الجماعية ( التى تؤكد على ألجماعه لتلغى الفرد)كالفلسفة الاقتصادية الماركسية والنظام الاقتصادي الشيوعي، وهنا يتضح لنا خطا القول ان الاقتصاد الاسلامى هو وسط بين الراسماليه والاشتراكية ، اذا ان الاخيره نظام اقتصادي اجتماعي – وهو ما يتضح من دلاله المصطلح ذاته فى اللغة الانجليزية(SOCIALESM) - وليست نظام اقتصادي جماعي -إلا في صيغها المتطرفة-، وهناك مصدر اخر لهذا الخطأ هو الفهم الخاطئ لكون الإسلام يقوم على التوازن بين الفرد والجماعة استنادا الى مفهوم الوسطية ،والذي يقوم على الاعتقاد ان الإسلام يساوى بين الفرد والجماعة فى الدرجة فى النظم الاجتماعية ، وهو غير صحيح فالتوازن بين الفرد والجماعة في الإسلام يقوم على ان الشريعة تجعل الفرد هو الاصل والجماعة هى الفرع فى العبادات ، بينما تجعل الجماعة هي الأصل(الكل) بينما الفرد هو الفرع (الجزء) فى المعاملات، التى تتضمن النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . مذهب الملكية الخاصة: ومن أهم أشكال مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى ، ذلك المذهب الذى يرى ان الإسلام يقر الملكية الخاصة، كما فى الفلسفة الاقتصادية الليبرالية والنظام الاقتصادي الراسمالى، ووجه الخطأ في هذا المذهب انه يخلط بين الملكية الخاصة المتعلقة بوظيفة الملكية، التي مضمونها حق المالك فى التصرف المطلق بالمال، والملكية الفردية المتعلقة بالشكل القانوني للملكية، والتي مضمونها حق الفرد في التصرف المقيد بالمال، ويستدل هذا المذهب بعده أدله سنعرض لها ونتناولها بالنقد: الدليل الأول: وضع الإسلام حد السرقة وجعل عقوبتها قطع اليد، والاستدلال هنا غير صحيح ، إذ أن الحدود هي (محظورات شرعية زجر الله عنها بعقوبة مقدرة تجب حقا لله تعالى)، وما كان حق الله يعني ان وضعه كان لحماية مصلحة الجماعة ، لا مصلحة الفرد يقول الكاساني (والمقصود بحق لله كل فعل أو امتناع ترجع علة إيجابه أو النهي عنه إلى الجماعة)(بدائع الصنائع، ج7، ص 33،56)،وهذا دليل على أن حد السرقة إنما وضعه الشارع تعالى لحماية مصلحة الجماعة ،التي لها حق الانتفاع أصلا وأن كان الانتفاع بيد الفرد،إذ لو كان المراد إقرار الملكية الخاصة كما فى الراسماليه لكانت عقوبة السرقة قصاص لا حد، إذ المقصود بالقصاص(ما وجب إتيانه أو الامتناع عنه لحق الفرد)( المرجع السابق، ص320(إي أن القصاص وضع لحماية حق الفرد ولذا يجوز العفو في القصاص ولا يجوز في الحد. الدليل الثاني: أنه لا يجوز للدولة أن تأخذ من مال الفرد سوى الزكاة،وهو رأي خاطئ،ومن أدلة ذلك قوله تعالى (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والملائكة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِيا لْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ والسائلين وَفِي الرقاب وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ اِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(البقرة: 177)، وفي تفسير القرطبي (استدل بها من ذهب إلى إن في المال حق سوى الزكاة ،وقيل الزكاة المفروضة،والأول أصح لما أخرجه الدار عن فاطمة بنت قيس قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن في المال حقا سوى الزكاة ثم تلي الآية. * يذكر ابن حزم (انه صح عن الشعبي ومجاهد وطاووس وغيره قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المال حق سوى الزكاة “قال فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة لا مخالف لهم منهم. * قال عمر رضى الله عنه( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على الفقراء المهاجرين *وقال علي رضي الله عنه (إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم) الدليل الثالث: انه لا يجوز للدولة أن تأخذ مال الفرد جبراً، بل على الفرد أن يعطي باختياره، وهو رأي خاطئ والأدلة: عندما احي عمر رضي الله عنه أرضا بالربدة وكانت لقوم فجاءؤا وقالوا: يا أمير المؤمنين إنها بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في إلاسلام علام تحميها،فاطرق عمر ثم قال: المال مال الله والعباد عباد الله والله لو لا ما احمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبر في شبر”. ويقول الإمام ابن حزم “وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، يجبرهم السلطان على ذلك أن لم تقم الزكوات، ولا في سائر أموال المسلمين فيقم لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه ،ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك ،وبمسكن يقيهم من المطر والصيف والشمس وعيون الماره ”. وعلي بن أبي طالب عندما صادر أموال بني أميه قال “والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به إلا ماء لرددته” التناقض الحضاري: كما ان مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى يتجاهل التناقض بين النظام الاقتصادي الراسمالى والقيم الحضارية للشخصية المسلمة، فهذا النظام الاقتصادي هو تنظيم للتمرد على القيم الحضارية المشتركة للشخصية المسلمة، وأولاها قيمه المشاركة الحضارية،حيث إن علاقات الإنتاج في ظل هذا النظام الاقتصادي تصبح مصدر للانانيه والفردية التي تتحول من خلال أطرادها إلى قيمه اجتماعيه تفسد عن طريق عن العدوى بالتفاعل باقي القيم الحضارية للشخصية المسلمة في الاسره (المشاكل الاسريه، التفكك الأسرى، ارتفاع نسبه الطلاق,...) في العلم( تحول العلم إلى تجاره) في الفكر( اتخاذ المفكرين لموقف الدفاع عن الواقع ، بدلا من اتخاذ موقف الدعوة إلي تغييره بتقديم حلول للمشاكل التي يطرحها..) في الأخلاق( التدهور الاخلاقى في كافه مجالات الحياة)... الخ نرى الأثر المخرب للقيم الراسماليه: الفردية التي تتقدم على أشلاء الآخرين ،والنظام الراسمالى بحكم طبيعته نظام استغلالي، ولا يمكن لاى إنسان في ظل الراسماليه إلا إن يكون طرفا في علاقة استغلالية مستغلا أو ضحية استغلال بشكل مباشر أو غير مباشر ،إزاء هذا لا تجدي النصائح والوعظ المثالي وحسن النية، بل أن حسنى النية هم ضحايا جاهزة للاستغلال، ولا يمكن إلغاء الاستغلال وباقي القيم السلبية إلا بالعمل على مقاومه النظام الاقتصادي الذي يكرس للمربع المخرب(الفقر والجهل والمرض و البطالة) و يفرز هذه القيم السلبية، واقامه نظام اقتصادي يعبر عن القيم الحضارية للشخصية المسلمة و يهدف إلى تحقيق مصلحه المجتمعات المسلمه ككل. الرؤية الجزئية:كما ان مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى بركز على الجوانب الايجابية للنظام الاقتصادي الراسمالى ،لكنه يتجاهل الجوانب السلبيه لهذا النظام اقصادى،فعلى سبيل المثال نجد ان النظام الاقتصادي الرأسمالي باستناده إلى الليبرالية كمنهج والقائلة بان مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال محاوله كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة،يقوم على وجوب عدم تدخل الدولة كممثل للمجتمع ، وهو ما اثبت واقع المجتمعات الاوربيه ذاته خطاه ،إذ قبل أن ينتهي القرن التاسع عشر حتى كانت ضرورة تدخل الدولة مسلمه في كل المجتمعات الاوربيه، وان اختلفت في مدى هذا التدخل. إلا انه بعد المتغيرات الدولية الاخيره المتمثلة في انهيار الكتلة الشرقية وظهور نظام عالمي أحادى القطب ممثلا في الولايات المتحدة ظهرت الدعوات التي تشكك في ضرورة تدخل الدولة وهذه الدعوات شكلت الأساس الايدولوجى للازمه الاقتصادية العالمية الاخيره. وكما هو معلوم فان ثوره الشباب العربي هي في بعض مناحيها ا ثوره ضد واقع أوجدته تداعيات هذه الازمه الاقتصادية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة الامريكيه و أثرت على معظم دول العالم فى مراحل تاليه ، لذا كانت الدول التي اتخذت موقف القبول المطلق للنظام الاقتصادي الراسمالى(تونس ومصر)،هي أكثر الدول تأثرا بالازمه الاقتصادية العالميه، لان هذا الموقف يعنى التبعية للاقتصاد الراسمالى الغربي، وبالتالي التأثر بكل أزماته الدورية. مقارنه: وهنا نحاول توضيح الفارق بين الاقتصاد الاسلامى والنظام الاقتصادي الرأسمالي، من خلال المقارنة بينهما في موقف كل منهما من عدد من المفاهيم والقيم والقضايا، مع توسيع نطاق المقارنة لتشمل قطاع آخر من قطاعات الفكرالاقتصادى الغربي هو الماركسية كفلسفة اقتصاديه غربيه ، ترفض أيضا النظام الاقتصادي الراسمالى. مفهوم الملكية : أولا:الفكر الاقتصادي الغربي: ا/الليبرالية(الراسماليه)(الملكية الخاصة): تقوم الفلسفة الاقتصادية الليبرالية – استنادا إلى فكره القانون الطبيعي- على مفهوم الملكية الخاصة ، اى حق التصرف المطلق في المال ،وتطبيقا لهذا فان الراسماليه بما هي النظام الليبرالي في الاقتصاد قائمه – استنادا إلى ذات الفكرة -على ان مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال محاوله كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة،اى دون تدخل الدولة كممثل للمجتمع ،وهو ما اثبت واقع المجتمعات الاوربيه ذاته خطاه ،إذ قبل أن ينتهي القرن التاسع عشر حتى كانت ضرورة تدخل الدولة مسلمه في كل المجتمعات الاوربيه، وان اختلفت في مدى هذا التدخل،غير انه بعد انهيار الكتلة الشرقية تجددت الدعوات التي تشكك في ضرورة تدخل الدولة،وكانت هذه الدعوات هي الأساس الفكري للازمه الاقتصادية العالمية ، وبعدها تجددت تارة أخرى الدعوات إلى ضرورة تدخل الدولة. كما ان المنافسة الحرة في النظام الاقتصادي الراسمالى في المجتمعات الغربية قضت على حرية المنافسة لتنتهي إلى الاحتكار ،اى ان التجربة أثبتت ان ترك كل فرد يفعل ما يشاء سينتهي إلى ان لا يستطيع الاغلبيه فعل ما يريدون. الماركسية (إلغاء الملكية الخاصة): تناولت الماركسية مفهوم الملكية طبقا للمنهج المادي الجدلي والمادية التاريخية التي هي محصله تطبيقه على التاريخ، وفيها يجب الإلغاء الشامل للملكية الخاصة لكل أدوات الإنتاج .لكن الماركسية انتهت عمليا الى إلغاء الملكية الخاصة لأدوات الإنتاج الاساسيه (الرئيسية) فقط ، حتى قبل انهيارا لاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية . تقويم عام: الخلط بين الملكية الخاصة والملكية الفردية: إذا الفكر الاقتصادي الغربي كان ابتداء يدور حول تأكيد الملكية الخاصة(الليبرالية) او إلغائها الماركسية) دون ان ينتبه إلى الفارق بين الملكية الفردية و الملكية الخاصة، فمصطلح ملكيه الفردية منصرف إلى تحديد الشكل القانوني للملكية (فرديه،تعاونيه مشتركه ،عامه…)، أما مصطلح الملكية الخاصة فهو تحديد لوظيفة الملكية، اى لصاحب الحق فى القرار الاقتصادي بالنسبة للشيء المملوك،وهو يشير إلى حق المالك في اتخاذ القرار الاقتصادي بالنسبه إليها دون المجتمع. ثانيا:الفكر الاقتصادي الاسلامى: مذهب الملكية الفردية ذات الوظيفة الاجتماعية: ان الملكية الخاصة،والتي تسمى (ملكية الرقبة)،والتي تخول للفرد التصرف المطلق في المال لا تمثل التصور الإسلامي للمال،اذ ان مضمون مصطلح الملكية الخاصة كما فى الفلسفة الاقتصادية الليبرالية يقابل كما سيق ان ذكرنا مصطلح الملكية القرانى ،والملكية طبقا له هي صفة من صفات ربوبية الله تعالى﴿ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (المائدة: 17)، لذا نجد ان كلمة ملكية في القرآن تسند إلى الله تعالى ،إذ الملكية من صفات الربوبية على الوجه الذي أوضحنا. وأسندها القرآن مرة إلى سواه، وهو الجماعة لا الفرد، في معرض الحديث عن الأنعام " فهم لها مالكون” بمعنى منتفعون. أما ألملكيه الفردية كشكل القانوني للملكية، مضمونه حق الفرد في التصرف المقيد بالمال، فقد اقرها الإسلام ، لكن على وجه يتسق مع تصور خاص للملكية الاجتماعية كتحديد لوظيفه الملكية، اى لصاحب الحق فى القرار الاقتصادي بالنسبة للشيء المملوك، ومضمونها ان القرار الاقتصادي أصلا من حق المجتمع، بالتالي فان القرار الاقتصادي للمالك يجب ان لا يتناقض مع مصلحته، وعلى وجه يتناقض مع الملكية الخاصة كتحديد اخر لوظيفة الملكية، اى لصاحب الحق فى القرار الاقتصادي بالنسبة للشيء المملوك،ومضمونها حق المالك فى اتخاذ القرار الاقتصادي بالنسبة إليها دون المجتمع ،اى وان تعارض مع مصلحه المجتمع. وهذه الملكية الفردية ذات الوظيفة الاجتماعية تتمثل في تقرير الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه ان الجماعة هي المستخلفة أصلا عن الله تعالى مالك المال في الانتفاع به ، أما الفرد فنائب ووكيل عنها فى الانتفاع به، يقول تعالى: ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾(الحديد: 7). مفهوم العدل الاجتماعي:هو نظام اقتصادي، يضبط النشاط الاقتصادي،على وجه يتيح لكل أفراد المجتمع، فرص متكافئة لتوظيف إمكانياتهم ومقدراتهم،وعائد مكافئ لمجهوداتهم ،طبقا لقواعد منظمه لعلاقات الناس قبل هذا النشاط. أولا: الفكر الاقتصادي الغربي: ا/فى الليبرالية (الراسماليه):الليبرالية والراسماليه كنظام ليبرالي في الاقتصاد نظرتا إلى قيمتي العدل العدل الاجتماعي من خلال قيمه الحرية،اى من خلال اعتبار ان الحرية قيمه مطلقه قائمه بذاتها، ومستقلة عن غيرها من القيم، وبالتالي فان تحقيق قيمه الحرية سيؤدى تلقائيا الى تحقيق قيمتي العدل والعدل الاجتماعي، كما أنها نظرت إلى العدل الاجتماعي من خلال تصور معين للعلاقة بين الفرد والمجتمع، يقوم على التأكيد على حرية الأفراد المكونين للمجتمع،إلى درجه قد تلغى وحدته ممثله في الدولة، وذلك بدعوتها إلى أن تكف عن التدخل في المجتمع. كما أنها نظرتا لى العدل الاجتماعي من خلال تصور معين لوظيفة الملكية قائم على حق المالك في التصرف المطلق في المال كل هذا أدى إلى انتفاء العدل الاجتماعي في ظل النظم الاقتصادية الراسماليه، مما أدى إلى ظهور الحركات الاشتراكية ذات المنطلقات الفكرية المتعددة(الطوباوية، الماركسية، القومية، الدينية…)،وبالتالي حققت هذه المجتمعات قدر العدل الاجتماعي تحت ضغط هذه الحركات ، ،ونتيجة لنضال شعوبها ومنظماته الحزبية والنقابية..ذلك ان قيمتي العدل والعدل الاجتماعي رغم ارتباطهما بقيمه الحرية إلا إنهما لن يتحققا تلقائيا من خلال تحقيق هذه القيمة،فضلا عن ان الديموقراطيه الليبرالية في المجتمعات الغربية إذ تحرر الشعب من استبداد الحاكمين،لا تضمن عدم استبداد الرأسماليين فيه،هذا بالاضافه إلى تجاهل الليبرالية لقيمه المساواة ذات الارتباط الوثيق بقيمتي العدل والعدل الاجتماعي. كما ان التجربة أثبتت ان ترك كل فرد يفعل ما يشاء سينتهي إلى ان لا يستطيع كثير من الناس فعل ما يريدون،وهنا تنتفي الفرص المتكافئة للأفراد لتوظيف إمكانياتهم ومقدراتهم. كما ان الراسماليه كنظام ليبرالي فى الاقتصاد بتأكيدها على الفرد وتجاهلها للجماعة، واستنادها إلى الملكية الخاصة، تلغى التوازن بين الفرد والمجتمع اللازم لتحقيق العدل الاجتماعي. الماركسية : أما الماركسية فقد تناولت العدل الاجتماعي ليس على المستوى القيمى بل على مستوى العلوم الاقتصادية والاجتماعية،وطبقا لمنهجها المادي الجدلي والمادي التاريخي الذي هو محصلة تطبيق الاول على التاريخ، فان الماركسية أكدت على قيمه المساواة ذات الصلة الوثيقة بالعدل الاجتماعي ،لكنها تطرفت في هذا التأكيد إلى درجه تحولت فيها المساواة إلى مثلية أي لدرجه إنكار تفاوت الناس في الإمكانيات والمقدرات والمجهودات الذاتية. فضلا عن إهمالها لقيمه الحرية اللازمة لضمان عدم الانحراف الدولة عن غاية العدل الاجتماعي،كما أنها اختارت التأكيد على وحده المجتمع ولكنها تطرفت في هذا التأكيد لدرجه إلغاء حرية الأفراد فيه ، وبهذا أخلت بالتوازن بين الفرد والجماعة اللازم لتحقيق العدل الاجتماعي.. ثانيا:الفكر الاقتصادي الإسلامي: اعتبر الفكر الاقتصادي الإسلامي ان العدل الاجتماعي غاية للنشاط الاقتصادي ، وذلك من خلال تقريره لشرطي العدل الاجتماعي: تكافؤ الفرص وعدالة الأجور، حيث أشارت العديد من النصوص إلى الشرط الأول(تكافؤ الفرص)، ومنها النصوص التي تفيد ان على الدولة الإسلامية ان توفر العمل المناسب لكل فرد حسب مقدرته، مثل ما روى البخاري وغيرة أن رجلا جاء إلى النبي( صلى الله عليه وسلم) يطلب إليه أن يدبر حاله لأنه خال من الكسب، وان الرسول دعا بقدوم وسواة بيده ، وجعل له يدا خشبية وضعها فيه ثم دفعه للرجل وكلفة بالعمل لكسب قوته في مكان اختاره له ،وأوجب الإمام الغزالي في الإحياء أخذا بهذا الحديث ان على ولي الأمر إن يزود العامل بالة العمل، ومنها النصوص المبينة لكيفية توزيع العطاء في الإسلام،ومنها قول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه والله ما احد أحق بهذا المال من احد ،وما من احد إلا وله نصيب في هذا المال نصيب أعطيته أو منعته ،فالرجل وبلاؤه في الإسلام، والرجل وعناؤه وحاجته،والله لئن بقيت لهم ليصلن الرجل حقه من المال وهو في مكانه يرعى”. *كما أشارت العديد من النصوص إلى الشرط الثاني (عدالة الأجور)، فقد روي أن ابوعبيدة تحدث يوماً مع عمر في استخدام الصحابة في العمل فقال” أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة عن الخيانة ” قال أبو يوسف في تفسيره” إذا استعملتم على شيء فابذل لهم العطاء والرزق لا يحتاجون”، وأورد المارودي عن عطاء الجند( انه معتبر بالكفاية حيث يستغني بها عن التماس مادة تقطعه عن حماية البيضة، والكفاية معتبرة من ثلاثة أوجه، احدهما: عدد من يعول من الذرارى والممالك والثاني: ما يرتبطه من الخير والظهر، والثالث: الموضع الذي يحله في الغلا والرخص فتقدر كفايته في نفقته وكسوته العام كله فيكون هذا المقدار في عطائه ثم تعرض حاله في كل عام فان زادت حاجته الماسة زيد وان نقصت ونقص وجوز أبو حنيفة زيادته على الكفاية الفرد والجماعة: والفكرالاقتصادى الاسلامى يرفض النزعة الفردية التي تؤكد على الفرد لتلغى الجماعة كما فى الفلسفة ألاقتصاديه الليبرالية كما في قوله صلى الله عليه وسلم (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، كما يرفض النزعة الجماعية التي تؤكد على الجماعة لتلغى الفرد كما فى الفلسفة ألاقتصاديه الماركسية كما في قوله صلى الله عليه وسلم(لا يكن أحدكم امعة، يقول أنا مع الناس ان أحسنوا أحسنت،وان اساؤا أسأت، بل وطنوا أنفسكم، ان أحسن الناس أحسنتم، وان أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم)، ويقوم على فلسفه اجتماعيه توازن بين الفرد والجماعة من خلال التأكيد على ان الجماعة بالنسبة للفرد كالكل بالنسبة للجزء تحده فتكمله وتغنيه ولكن لا تلغيه(مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ،إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى)، المساواة: أولا: الفكر الاقتصادي الغربي: ا/الليبرالية والراسماليه: أما قيمه المساواة فان الليبرالية والراسماليه كنظام ليبرالي في الاقتصاد نظرتا إليها من خلال قيمه الحرية،اى من خلال اعتبار أن الحرية قيمه مطلقه قائمه بذاتها، ومستقلة عن غيرها من القيم، وبالتالي فان تحقيق قيمه الحرية سيؤدى تلقائيا الى تحقيق قيمه المساواه وغيرها من القيم ، غير ان التجربة أثبتت ان ترك كل فرد يفعل ما يشاء سينتهي إلى ان لا يستطيع كثير من الناس فعل ما يريدون،وهنا تنتفي المساواة ب/الماركسية: اما الماركسية فقد أكدت على قيمه المساواة ،لكنها تطرفت في هذا التأكيد إلى درجه تحولت فيها المساواة إلى مثلية أي لدرجه إنكار تفاوت الناس في الإمكانيات والمقدرات والمجهودات الذاتية. ثانيا: الفكر الاقتصادي الاسلامى: اما الإسلام كدين فقد اقر بقيمه المساواة، لكنه فسرها على انها أن تحكم العلاقات بين الناس في المجتمع، قواعد عامة مجرده، سابقه علي نشأة تلك العلاقات، دون إنكار ما يكون بين الناس من تفاوت في المواهب والمقدرات الذاتية : ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِيا لْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُم ْفَوْقَ َبعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ ( الزخرف: 32)،وهنا يتضح لنا ان مفهوم الدرجات فى القران يختلف تمام الاختلاف ،عن مفهوم الطبقات ف الفكر الاقتصادى الغربي، خلافا لمذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى الذي يحاول الربط بين المفهومين.وفى الفكر الاقتصادى الاسلامى تتحقق قيمه المساواة من خلال القواعد التي وضعها الله تعالى ملك المال لتنظيم انتفاع المستخلف فيه اى الجماعة، علي الوجه الذي يحقق مصالحها ككل، وليس مصلحه فرد أو فئة ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال ( والله ما احد أحق بهذا المال من احد وما من احد إلا وله نصيب في هذا المال نصيب أعطيته أو منعته فالرجل وبلاؤه في الإسلام والرجل وعناوة وحاجته والله لئن بقيت لهم ليصلن الرجل حقه من المال وهو في مكانه يرعى). الموقف من القطاع العام : هناك الكثير من الأخطاء المنسوبة الى القطاع العام ، والتي تكاد تكون مسلمة من الجميع رغم تباين مواقفهم من القطاع العام ، ، غير انه يجب تقرير ان هناك شكلين من أشكال النقد ، يكمن خلفهما موقفين من القطاع العام نفسه, الشكل الاول من النقد يقوم على نقد القطاع العام لتقويمه ، اى بهدف بناءه ، فهو يكشف أوجه قصوره عن أداء دوره القائد ويستهدف تنشيط قيادته للنشاط الاقتصادي ، وتنمية كفاءته الإنتاجية ، فهو نقد ينطلق من موقف الابقاء على القطاع العام والدفاع عنه، والشكل الثاني من النقد يقوم على نقد القطاع العام لنقضه ، اى بهدف هدمه و تصفيته، أو حصر دوره فى النشاط الاقتصادي ، فهو نقد ينطلق من موقف إلغاء القطاع العام .ويتبنى مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى موقف الغاء القطاع العام ،الذي يتسند الى الشكل الثاني من أشكال نقد القطاع العام ، وهو هنا يتفق مع التيار الفكري الليبرالي رغم اختلافه معه فى اغلب القضايا، والموقف الاسلامى الصحيح من القطاع العام هو موقف الإبقاء على القطاع العام،الذي يستند الى الشكل الأول من أشكال نقد القطاع العام ، والدليل على ذلك -على المستوى العقائدي - تقرير الإسلام ان الله تعالى والمالك الأصلي للمال، وانه استخلف الجماعة في الانتفاع به ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)، وان للجماعة بالتالي حق الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية قال (صلى الله عليه وسلم ) (الناس شركاء في ثلاثة الماء و الكلاء والنار) (روه احمد وأبو داود)، وهو ما يكون بان تتولى الدولة إدارة إنتاج هذه المصادر باعتبارها وكيل للجماعة ونائب عنها ،وتطبيقا لذلك ما ورد عن عمر بن الخطاب (لو أن عناقا ( عنزا ) ذهب بشاطئ العراق لأخذ بها عمر يوم القيامة)، وما ورد عن الماوردي (والذي يلزم سلطان الأمة من أمور سبعة أشياء: حفظ دين الأمة من عدو للدين، أو باعث نفس أو مال، عمارة البلدان باعتماد مصالحها غير تحريف في أخذه وعطائه، معاملة المظالم والأحكام بالتسوية بين أهلها واعتماد الشدة في فصلها...)( الماوردي، أدب الدنيا والدين، ص 39.اما الدليل على ذلك - على المستوى العملى - تقرير الاسلام لبيت مال المسلمين والحمى(الأرض المحمية من الانتفاع الفردي لتكون لانتفاع المسلمين جميعا) فمن المتفق عليه أن الرسول (صلى اله عليه وسلم) حمى أرض بالمدينة يقال لها النقيع لترعى فيها خيل المسلمين (رواه احمد)( أبو عبيدة، الأموال، ص 298، الماوردي ، إلاحكام السلطانية ، ص 164، أبو يعلي ، الأحكام ، 206) ،وحمى عمر أيضا أرضا بالربدة وجعلها مرعى لجميع المسلمين(أبو عبيدة، الأموال، ص 299) - للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زياره العنوان: drsabrikhalil@wordpress.com | |
|