معوقات ووسائل تفعيل العقل الاسلامى د.صبري محمد خليل أستاذ بجامعه الخرطوم(تخصص فلسفه القيم الاسلاميه) sabri.khalil@hotmail.com التعدد الدلالي لمفهوم العقل: يجب التمييز بين الدلالات المتعددة لمفهوم العقل: الدلالة الأولى:بمعنى هذه الفاعلية المعرفية ذاتها،اى العقل في ذاته في كل زمان ومكان. الدلالة الثانية: أنماط هذه الفاعلية،والتي تختلف طبقا لمستويات الوجود التي يحاول تفسيرها (وجوديا) ،أو طبقا للجهة المنظور منها إلى ذات المشاكل التي يطرحها الواقع المعين أو طبقا لمضمون هذه المشاكل(منهجيا). الدلالة الثالثة:محصله هذه الفاعلية بأنماطها المختلفة في محاولتها حل مشاكل طرحها واقع معين زمانا ومكانا، اى التراث الفكري لجماعه معينه(قبيلة،شعب، أمه) في زمان معين. ويمكن تقسيمها إلى مستويين: المستوى الأول:الهيكل العقلي(المعرفي) الأساسي، الحضاري ويتضمن مجموعة القواعد التي تحدد لكل فرد ما ينبغي أن يكون عليه موقفه واتجاهه وسلوكه في مواجهة الغير من الأشياء والظواهر والناس، يكتسبها من انتمائه إلى مجتمع معين. فهذا المستوى يشير إلي مكونات الوحدة العقلية(المعرفية) المتجانسة بين كل الأفراد الذين ينتمون إلى مصدر حضاري واحد، المستوى الثاني: البناء العقلي( المعرفي) المكتسب على هيكلها الأساسي، فهذا المستوى يشير إلي التفرد العقلي(المعرفي) بما هو بناء مكتسب على هيكلها الأساسي من مصادر بيولوجية وفسيولوجية وفكرية واقتصادية وروحية ...الخ. مفهوم العقل فى الفكر الاسلامى: وقد تعددت تعريفات العقل طبقا لتعدد الفلسفات ومناهج المعرفة المستخدمة في التعريف. والتعريف الإسلامي يستند إلى الأسس التالية: أولا:ينظر إلي العقل باعتباره نشاط أو فاعليه معرفيه ، لذا لم يرد في القران لفظ عقل بصيغه الاسم. بل ورد بصيغه الفعل ( نعقل، تعقلون، يعقلون...) ﴿ً وكذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ﴾. ثانيا: والعقل كفاعليه معرفيه محدود: ا/فهو محدود بالوحي في إدراكه لعالم الغيب المطلق عن قيود الزمان والمكان، يقول الشاطبى (فهذا أصل اقتضى للعاقل أن لا يجعل العقل حاكما بإطلاق، وقد ثبت عليه حاكم بإطلاق وهو الشرع) ويقول البوشنجى عن تعريف الإيمان(... وان يجعل الأصول التي نزل بها القران واتت بها السنن من الرسول غايات للعقول ولا يجعلوا العقول غايات للأصول). ب/كما أنه محدود بالحواس في إدراكه لعالم الشهادة المحدود زمانا و مكانا﴿ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والافئده لعلكم تشكرون﴾. ثالثا:أن وظيفة العقل من الناحية الوجودية محاوله تفسير الوجود، ومن الناحية المنهجية حل المشاكل التي يواجهها الإنسان. رابعا: التعريف الإسلامي للعقل إذا يرفض النظر له باعتباره ذو وجود مطلق ، اى قائم بذاته ومستقل عن الحواس في إدراكه لعالم الشهادة، والوحي في إدراكه لعالم الغيب كما في التيار العقلاني(المثالي) في الفلسفة ،يقول علاء الدين الطوسي في كتابه الذخيرة أو تهافت الفلاسفة(... فقوته الادراكيه أيضا وان كانت أتم قواه وأقواها ليس من شانها أن تدرك حقائق جميع الأشياء وأحوالها حتى الأمور الالهيه إدراكا قطعيا لا يبقى معه ارتياب أصلا، كيف والفلاسفة الذين يدعون أنهم علموا غوامض الإلهيات باستقلال العقل ويزعمون أن معتقداتهم تلك يقينية وان كانوا أذكياء أجلاء قد عجزوا عن تحقيق ما بمرأى أعينهم حتى اختلفوا في حقيقته).. معوقات ووسائل تفعيل العقل الاسلامى وأنماط التفكير:وهناك العديد من أنماط التفكير التي يمكن تحديدها طبقا للدلالات المختلفة لمفهوم العقل والتي تشكل إما معوقات او وسائل لتفعيل العقل الاسلامى : أولا : طبقا للدلالة الثانية لمفهوم العقل اى أنماط العقل كفاعلية معرفيه،والتي تختلف طبقا لمستويات الوجود التي يحاول تفسيرها (وجوديا) ،أو طبقا للجهة المنظور منها إلى ذات المشاكل التي يطرحها الواقع المعين أو طبقا لمضمون هذه المشاكل(منهجيا). وهنا نجد ثلاثة أنماط للتفكير تشكل أساليب تفعيل العقل الاسلامى وهى انماط التفكير العلمي،العقلاني، الديني. وتقابلها ثلاثة انماط للتفكير تشكل معوقات تفعيل العقل الاسلامى هي انماط التفكير الخرافي والاسطورى والبدعى بين التفكير العلمي والتفكير الخرافي: مفهوم العلم:مفهوم العلم له معنى خاص ومعنى عام ، أما المعنى الخاص فهو نمط معين من أنماط المعرفة يهدف إلى معرفة القوانين الموضوعية التي تضبط حركة تحول الطبيعة وتطور الإنسان .أما المعنى العام لمفهوم العلم فهو المعرفة بكل أنماطها. التصور الإسلامي للعلم :التصور الاسلامى للعلم يميز (ولا يفصل) بين نمطين من أنماطه: العلم التكويني:مضمونه البحث في الظواهر( الجزئية، العينية) والقوانين الموضوعية (السنن الإلهية بالتعبير القرآني) التي تضبط حركتها، ومجال بحثه الوجود (الإنساني والطبيعي). العلم التكليفي:مضمونه القواعد الموضوعية المطلقة التي جاء بها الوحي والتي ينبغي أن تضبط النشاط المعرفي العقلي (الاستدلالي) هادف إلى الكشف عن الافتراضات الكلية، التجريدية التي تسبق البحث العلمي السابق الذكر.والعلاقة بينهما هي علاقة الجزء (العلم التكليفي) بالكل (العلم التكويني) فالثاني يحد الأول فيكمله و يغنيه ولا يلغيه.فمصطلح العلم التكويني يقابل مصطلح العلم في الفكر الغربي ومصطلح العلم التكليفى يقابل مصطلح فلسفه العلم في الفكر الغربي لكن بعد التحقق منها بمعيار الوحي. التفكير العلمي:من ناحية الموضوع فان التفكير العلمي هو نمط التفكير الذي يتناول الوجود على المستوى الكيفي: اى ضوابط الحركة في الوجود واتجاهاتها، وهو مستوى نسبي، كما يتناول منهجيا ذات المشاكل التي يطرحها الواقع المعين لكن على مستوى جزئي عيني أي منظور إليها من جهة معينة هي البحث في قوانين تحول الطبيعة وتطور الإنسان والتي لابد أن تأتي حلول هذه المشاكل على مقتضاها لتكون صحيحة. أما من ناحية المنهج ويتصف هذا التناول بخصائص أو خطوات معينة هي خصائص أو خطوات المنهج العلمي: أولا:الملاحظة: أي مراقبة مفردات الظاهرة ورصدها خلال حركتها.ثانيا:الافتراض: أي محاولة افتراض قانون لتلك الحركة من أطوارها على قاعدة واحده في ظروف مماثلة.ثالثا:التحقق: إذ الممارسة هي اختبار مستمر لصحة القانون. الخرافة: لغة: تزعم العرب أن رجلا من بنى عذره يسمى خرافه ،غاب عن أهله زمانا، ولما رجع اخبرهم انه عاش مع الجن ،ولكنهم كذبوه ،وصاروا يقولون لكل حديث لا يمكن تصديقه حديث خرافه ،وورد حديث( خرافه حق) ضعفه العديد من علماء الحديث، ومعناه إن صح أن اعتقاد خرافه بوجود الجن حق لان الإسلام يقر بوجود الجن لا أن روايته عن اتصاله بالجن صحيحة اصطلاحا:تعددت معاني الخرافة بتعدد أنواعها،وتعدد المناهج المستخدمة في تفسيرها.وطبقا للمنهج المستخدم في الدراسة نعرف الخرافة(بالمعنى العلمي) بأنها فكره تحاول تفسير ظاهره جزئيه "نوعيه"( اى نوع معين من أنواع الوجود)،عينيه(موجودة في مكان وزمان معينين ) دون أن تكون قابله للتحقق من صدقها أو كذبها بالتجربة والاختبار العلمي التجريبي. أما الخرافة بالمعنى الادبى فهي قصة أبطالها شخصيات غير عاقلة من الحيوان والجماد، ولكنها تفكر وتتكلم وتتصف بالعقل والمنطق، ولها عواطف ومشاعر كالبشر وتقوم بدور إنساني واقعي، ولها أغراض وأهداف مختلفة وقد تصاغ شعرا أو نثرا. والخرافة بالمعنى الادبى لا تناقض العلم لأنها تنتمي إلى مجال مختلف هو الأدب. التفكير الخرافي: التفكير الخرافي هو نمط من أنماط التفكير المناقض للتفكير العلمي لأنه يشترك معه في الموضوع(تفسير الظاهرة أو الظواهر الجزئية العينية) ولكنه يختلف عنه في المنهج. فالتفكير العلمي يقوم على الإقرار بان هناك قوانين حتمية تضبط حركه الأشياء والظواهر ومضمون الحتمية تحقق السبب بتوافر المسبب وانتفائه بانتفاء المسبب،بينما التفكير الخرافي يقوم على إنكار هذه القوانين الموضوعية التي تضبط حركتها أو إنكار حتميتها ، اى يقوم على امكانيه انقطاع اطراد هذه السنن الإلهية.والتفكير العلمي يقوم على عدم قبول اى فكره تفسر هذه الظواهر قبل التحقق من صدقها أو كذبها بالتجربة والاختبار العلميين أما التفكير الخرافي فيقوم على امكانيه قبول اى فكره تفسر هذه الظواهر دون توافر امكانيه التحقق من صدق هذا التفسير بالتجربة والاختبار العلميين موقف الإسلام من نمطي التفكير العلمي و الخرافي:اقر الإسلام التفكير العلمي ورفض التفكير الخرافي حين قرر القران أن حركه الكون خاضعة لسنن إلهيه لا تتبدل( فلن تجد لسنه الله تبديلا ولن تجد لسنه الله تحويلا)( فاطر:43).ومن خصائص التفكير العلمي التخطيط وله شرطين: عدم توقع تحقق غاية معينه دون تدخل ايجابي من الإنسان. وضرورة سبق الأحداث قبل أن تقع والتحكم في وقوعها طبقا لخطط معينه . أما التفكير الخرافي فيناقض التخطيط وذلك لإلغائه شرطه الأول بالسلبية والتواكل ،وإلغائه شرطه الثاني بالتجريبية والمغامرة، والإسلام لا يعارض التخطيط لأنه يحث على التزام شرطه الأول بتقريره أن شيئا من الواقع لن يتغير ما لم يتدخل الإنسان لتغييره(أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) كما حث على التزام شرطه الثاني بنهيه عن التواكل. وقد ورد النهى عن كثير من أنماط التفكير الخرافي التي كانت سائدة في المجتمع العربي الجاهلي كالكهانة ( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد بريء مما انزله الله على محمد)( رواه الطبراني)،والتنجيم (من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبه من السحر)( رواه أبو داود وابن ماجه)،والعرافة (من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاه أربعين يوما)،والتطير(العيافه والطيرة والطرق من الجبت)، والسحر(...ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر...). بين التفكير العقلاني والتفكير الاسطورى: التفكير العقلاني: التفكير العقلاني من ناحية الموضوع هو نمط التفكير الذي يتناول الوجود على المستوى اللماذى للوجود اى العلاقة بين المستوي الكيفي النسبي والمستوى الماهوى المطلق. ويتناول(منهجيا) ذات المشاكل التي يطرحها الواقع المعين لكن على مستوى كلي مجرد أي منظور إليها من جهة معينة هي الأصول الفكرية (الكلية، المجردة) لهذه المشاكل. أما من ناحية المنهج فان هذا التناول يتصف بالاتي: اولا:الشك المنهجي (النسبي):يقوم التفكير العقلاني على الشك المنهجي أو النسبي وهو شك مؤقت ووسيلة لا غاية في ذاته إذ غايته الوصول إلى اليقين أي أن مضمونه المنهجي عدم التسليم بصحة حل معين للمشكلة إلا بعد التحقق من كونه صحيح. والشك المنهجي يختلف عن كل من الشك المذهبي والنزعة القطعية. فالشك المذهبي أو المطلق دائم وغاية في ذاته أي أن مضمونه المنهجي قائم على أنه لا تتوافر للإنسان إمكانية حل أي مشكلة.أما النزعة القطعية فتقوم على التسليم بصحة حل معين دون التحقق من كونه صادق أم كاذب. ثانيا: العقلانية:ويتصف هذا التفكير بالعقلانية. أي استخدام ملكة الإدراك (المجرد) كوسيلة للمعرفة. ثالثا:المنطقية:ويتصل بالخصيصة السابقة أن التفكير العقلاني يستند إلى المنطق بما هو القوانين (السنن الإلهية) التي تضبط حركة الفكر الإنساني ذلك أن الفلسفة لكي تصل إلى حلول صحيحة لمشاكلها يجب أن يستند إلى القوانين أو السنن الإلهية التي تضبط حركة تحول الطبيعة وتطور الإنسان وحركة الفكر. رابعا:النقدية:والتفكير العقلاني قائم على الموقف الرافض لكل من القبول المطلق والرفض المطلق والذي يرى أن كل الآراء (بما هي اجتهادات إنسانية) تتضمن قدراً من الصواب والخطأ وبالتالي نأخذ ما نراه صواباً ونرفض ما نراه خطأ. الأسطورة: الأسطورة في لغة العرب الأحاديث المنمقة أو المزخرفة التي لا نظام لها . فهي مشتقة من السطر من الشيء : بمعنى الصف من الكتاب والشجر والنخل ونحوها . وسطر : إذا كتب كما ورد في قوله تعالى ( ن والقلم وما يسطرون )، وسطرها بمعنى ألفها ، وسطر علينا : أتانا بالأساطير ، وسطر فلان على فلان ، إذا زخرف له الأقاويل ، ونمقها ، وتلك الأقاويل : الأساطير. وكلمة ( أساطير ) وردت في القرآن الكريم في صيغه الجمع ، كما إنها جاءت دائماً مضافة إلى (الأولين) قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين ) ( الأنفال : 31 ) (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين )( النحل : 24) (قد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين ) ( النمل : 68)(وقالوا أساطير الأولين إكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً )( الفرقان : 5). وعند الأوربيين ظهر فرع جديد من فروع العلم يعنى بدراسة وتفسير الأساطير هو الميثولوجى Mythology . والشق الأول من الكلمة Mytho مأخوذة من اليونانية Mutho التي تعني حكاية تقليدية عن الآلهة وألا بطال ، أما الشق الثاني Logy فيعني العلم (مغامرة العقل الأولى / فراس السواح ، ص12) و كلمة أسطورة تعارض العقل ( لوغوس) في اليونانية (الميثولوجيا اليونانية ، بيار غريمال ، ترجمة هنري زغيب ، منشورات عويدات 1982 بيروت،ص5. ). أما اصطلاحا فقد تعددت تعريفات الاسطوره طبقا لتعدد أنواعها، وتعدد المناهج التي تتناولها بالدراسة. ا/ طبقا لتعدد أنواعها:1/الأسطورة الطقوسية : وهي تمثل الجانب الكلامي لطقوس الأفعال التي من شأنها أن تحفظ للمجتمع رخاءه .2/الأسطورة التكوينية : وهي التـي تصور لنا عملية خلق الكون . 3/الأسطورة التعليلية: وهي التي حاول الإنسان عن طريقها، أن يعلل ظاهرة تستدعي نظره، ولكنه لا يجد لها تفسيراً، ومن ثم فهو يخلق حكاية أسطورية ، تشرح سر وجود هذه الظاهرة .4/الأسطورة الرمزية: وهي التي تتضمن رموزاً تتطلب التفسير، ومن المؤكد أن هذه الأساطير قد ألفت في مرحلة فكرية أكثر نضجاً ورقياً.5/أسطورة الأبطال الخارقين: وهي التي يتميز فيها البطل ذو الصفات الخارقة ، ولكن صفاته الإنسانية دائماً تشده إلى العالم الأرضي .( نبيلة إبراهيم - دار نهضة مصر، القاهرة ص 15-22) ب/طبقا لتعدد مناهج دراسة الأساطير:1/المنهج المجازي: يرى أن الأسطورة قصة مجازية، تخفي أعمق معاني الثقافة.2/المنهج الرمزي: يرى أن الأسطورة قصة رمزية، تعبر عن فلسفة كاملة لعصرها، لذلك يجب دراسة العصور نفسها لفك رموز الأسطورة.3/المنهج العقلي: يذهب إلى نشوء الأسطورة نتيجة سوء فهم أرتكبه أفراد في تفسيرهم، أو قراءتهم أو.سردهم لرواية أو حادث. 4/منهج التحليل النفسي: يحتسب الأسطورة رموزاً لرغبات غريزية وانفعالات نفسية. و طبقا للمنهج المستخدم في الدراسة فإننا نعرف الاسطوره(بالمعنى الفلسفي) بأنها فكره تحاول تفسير الوجود على المستوى الكلى المجرد لكن دون توافر امكانيه التحقق من صدق هذه الفكرة أو كذبها بواسطة الادله العقلية والمنطقية.أما الاسطوره بالمعنى الادبى فهي: الحكايات الخيالية، التي توجد عند الأمم في أشكال التعبير في الأدب الشعبي-ماضيها ، ومادتها أشخاص أو حوادث أو أعمال فوق طاقة البشر... خصائص التفكير الاسطورى:أولا:القبول المطلق لفكره وبالتالي الرفض المطلق للأفكار الأخرى . ثانيا: الشك المطلق أي إنكار إمكانية التحقق من صحة أي فكرة، أو النزعة القطعية أي التسليم بصحة فكرة دون التحقق من كونها صادقة أم كاذبة.ثالثا:الاستناد إلى الإلهام أو الوجدان او العاطفة والخيال ( على الوجه الذي يلغى العقل).رابعا: اللامنطقيه ( التناقض) . موقف الإسلام من نمطي التفكير العقلاني و الاسطورى:من خصائص التفكير العقلاني الموقف النقدي القائم علي تجاوز كل من موقف القبول المطلق والرفض المطلق إلي الموقف القائم علي البحث عن أوجه الصواب وأوجه الخطأ في الرأي المعين وأخذ ما هو صواب ورفض وما هو خطأ، وهذا الروح النقدية حث عليها الإسلام كما في قوله (صلى الله عليه وسلم)( لا يكون أحدكم امعه يقول إنا مع الناس أن أحسنوا أحسنت وان أساءوا أسئت بل وطنوا أنفسهم أن أحسن الناس أن تحسنوا وأن أساءوا تجتنبوا أساءتهم) كما في قوله تعالي( الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه)، أما التفكير الأسطوري فيقوم علي القبول المطلق لفكره وبالتالي الرفض المطلق للأفكار الأخرى و هو ما رفضه الإسلام. ومن خصائص التفكير العقلاني الشك المنهجي القائم علي عدم التسليم لصحة فكرة معينة لا بعد التحقق م كونها صحيحة هذا الشك المنهجي نجد نموذج له في وصف القرآن لانتقال إبراهيم (عليه السلام) من الاعتقاد بربوبية القمر إلي الاعتقاد بربوبية الشمس إلي الاعتقاد بربوبية الله تعالي ويمكن أن نجد نموذجاً لهذا النوع من الشك في القرآن( فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين .فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين .فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون ) (الأنعام76 – 78)،كما استخدمه الإمام الغزالي كما في كتابه المنفذ من الضلال أما التفكير الأسطوري فيقوم علي الشك المطلق أي إنكار إمكانية التحقق من صحة أي فكرة، من هذا النوع من الشك عبر عنه القرآن بمصطلح ريب (أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا) أو النزعة القطعية أي التسليم بصحة فكرة دون التحقق من كونها صادقة أم كاذبة وهو الأمر الذي ذمه القرآن (قالوا حسبنا الله وما وجدنا عليه إباؤنا أو لو كان إبائهم لا يعلمون شيئاً لا يهتدون).ومن خصائص التفكير العقلاني الاستناد إلي العقل كوسيلة للمعرفة وإذا كان الإسلام قد حث علي إعمال العقل (بما لا يتناقض الحواس والوحي كوسائل المعرفة) فإن نمط التفكير الأسطوري يستند علي الإلهام أو الوجدان والخيال ( الذي يلغى العقل) وهو ما رفضه الإسلام. ومن خصائص التفكير العقلاني المنطقية اى الاستناد إلي المنطق بما هو أنماط التفكير السليمة المستندة إلي قوانين التفكير وأهمها قانون عدم التناقض والذي أشار إليه القران( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كبيرا) بخلاف نمط التفكير الاسطورى اللامنطقي ( المتناقض). بين التفكيرالدينى والتفكير البدعى: التفكير الديني: يتناول التفكير الديني من ناحية الموضوع -من خلال الوحي- الوجود (بشكليه الطبيعي والاجتماعي)على المستوى الماهوى، اى المستوى المطلق(لا يخضع للتغير في المكان أو التطور خلال الزمان) والغيبي(غائب عن حواس وعقل الإنسان). فهو يتناول الوجود الطبيعي على المستوى الماهوى، اى كيف بدا الوجود وكيف سينتهي وماهية القوه التي أوجدته. كما يتناول الوجود الاجتماعي على ذات المستوى، اى القواعد والقيم التي تحقق مصلحه الإنسان في كل زمان ومكان. وغاية الدين من هذا وضع ضوابط موضوعيه مطلقه للعقل في تفسيره لمستويات الوجود الأخرى التي تتوافر له امكانيه تفسيرها.وبالتالي فان التفكير الديني هو نمط التفكير الذي يحدد الوحي ولا يلغى محاولته تفسير الوجود، أو وضع القواعد والقيم التي تحقق مصلحه الإنسان في مكان وزمان معينين. كما أن التفكير الديني يتناول - من ناحية المنهج - ذات المشاكل التي يطرحها الواقع معين زماناً ومكاناً ولكن منظور إليه من جهة علاقتها من حيث هي جزء من الواقع المحدود زماناً ومكاناً بالمطلق الغيبي (ووسيلة معرفته الوحي)،اى هو نمط التفكير الذي يحدد فيه الوحي ولا يلغى نوع المشاكل التي يواجهها الإنسان وطريقة العلم بها ،ونمط الفكر الذي يسوغ حلولها ،وأسلوب العمل اللازم لتنفيذها. البدعة: البدعه اللغة هي إحداث أو إنشاء شيء أو صفه بدون احتذاء أو إقتداء بأصل أو مثال سابق. ( بَديِعُ السَمَوَاتِ و الأرض وإذَا قَضَى أمراً فإنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (البقرة: 117 )، يقول الراغب الاصفهاني (الإبداع : هو إنشاء صفةٍ بلا احتذاء وإقتداء)( معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم : 36).أما اصطلاحا: فان البدعه الاضافه إلى الدين، والمقصود بالدين أصوله لا فروعه، فان الاخيره هي اجتهاد، دون الاستناد إلى نص يقيني الورود قطعي الدلالة، يقول تعالى (... ورَهبَانِيَّةً ابتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيهِمْ إلاّ ابتغاء رِضوَانِ اللهِ ....) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم –في الحديث الذي رواه مسلم وغيره عن جابر ) بن عبد الله قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته...." الحديث وفيه يقول: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد –صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة". رواه مسلم ومعناه عند البخاري من حديث ابن مسعود.وقال:"فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة". رواه أحمد واللفظ له، وابن ماجة والترمذي.. وقال «لا يذهب من السُنّة شيء حتى يظهر من البدعة مثله ، حتى تذهب السُنّة وتظهر البدعة ...» (كنز العمال ، لعلاء الدين الهندي 1 : 222 | يقول ابن رجب الحنبلي: (ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدّل عليه ، أما ما كان له أصل من الشرع يدّل عليه فليس ببدعة شرعاً وإنْ كان بدعة لغةً)( جامع العلوم والحكم ، لابن رجب الحنبلي : 160 طبع الهند.)، ويقول ابن حجر العسقلاني: (أصلها ما أُحدِثَ على غير مثال سابق ، وتطلق في الشرع في مقابل السُنّة فتكون مذمومة...) (فتح الباري ، لابن حجر العسقلاني 5 : 156)، ويقول ألشاطبي : (البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يُقصد بالسلوك عليها ما يُقصد بالطريقة الشرعية ـ وقال في مكان آخر ـ يُقصد بالسلوك عليها : المبالغة في التعبّد لله تعالى)( الاعتصام ، للشاطبي 1 : 37) .فنمط التفكير البدعى وان كان يتفق مع الدين في الموضوع، فيتناول ما هو غيبي مطلق، فانه يختلف عنه وبالتالي عن نمط التفكير الديني(الاجتهاد) في المنهج ووسيلة المعرفة،فهو يستند إلى الحواس والعقل دون أن يكون محدودا بالوحي كما في الأخير، وبالتالي فان نمط التفكير البدعى يتضمن نمطي التفكير شبه الخرافي( لأنه يخلط بين الغيب و الحواس وموضوعها(الجزئي العيني)) والتفكير شبه الاسطورى( لأنه يخلط بين الغيب والعقل وموضوعه (الكلى المجرد) ).لكن هذا التفكير لا يتضمن نمطي تفكير خرافي أو التفكير الاسطورى في شكلهما الكامل لتناقضهما مع الدين كما سبق بيانه . كما إن نمط التفكير الديني(الاجتهاد) يتضمن نمطي التفكير العلمي والعقلاني لأنه نمط التفكير الذي يحدد الوحي فيكمل ويغنى ولكن لا يلغى محاوله العقل تفسير الوجود العيني الجزئي استنادا إلى الحواس ، أو الوجود الكلى المجرد استنادا إلى العقل وقوانينه.
ثانيا : طبقا للدلالة الثالثة لمفهوم العقل اى محصله هذه الفاعلية المعرفية في محاولتها حل مشاكل طرحها واقع معين زمانا ومكانا ، بمستوييها الأول: اى الهيكل العقلي(المعرفي) الحضاري الأساسي والثاني: اى البناء العقلي( المعرفي) المكتسب على هيكلها الأساسي، و محاوله العقل حل مشكلة كيفية تحقيق التقدم الحضاري في المجتمعات المسلمة، وهنا يمكن تحديد ثلاثة أنماط للتفكير يشكل نمط التفكير الاول( التفكير التجديدى) أسلوب لتفعيل العقل الاسلامى ، بينما يشكل النمطان الآخران(التفكير التقليدي والتغريبي) معوقان لتفعيل العقل الاسلامى هما : التفكير التجديدى (الاجتهادي): يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة يتم باستيعاب ما لا يناقض أصول الإسلام( التي تمثل الهيكل المعرفي الحضاري للمجتمعات المسلمة) سواء كانت من إبداع المسلمين أو إسهامات المجتمعات المعاصرة الأخرى . التفكير التغريبي: يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث الجذور(الهيكل المعرفي الحضاري للمجتمعات المسلمة) وتبني قيم المجتمعات الغربية. وبمنظور علم أصول الفقه يقوم على تبني قيم حضارة أخرى تناقض أصول الدين وفروعه . التفكير التقليدي:يقوم على أن تحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة يكون بالعودة إلى الماضي والعزلة عن المجتمعات المعاصرة، وبمنظور علم أصول الفقه الوقوف عند أصول الدين (التي تشكل الهيكل المعرفي الحضاري للمجتمعات المسلمة) وفروعه (التي هي بناء مكتسب على هذا الهيكل المعرفي). -للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان http://drsabrikhalil.wordpress.com) ).